سلمك الله وكفاك، ولو علمت أن هذه حالك ما سألتك، فقال: إذاً لا أبخل عليك؛ ثم أعاد على البيتين؛ حتى حفظهما، وأجزتهما بقولي:
إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر
ثم سألته عن اسمه؛ فقال: أنا أبو حاضرة داعية عيسى بن زيد وابنه أحمد. قال: فلم نلبث إلا قليلاً حتى سمعنا صوت الأقفال، فقام فسكب عليه ماءً من جرة كانت عنده، ولبس ثوباً نظيفاً، ودخل الحرس ومعهم الشموع، فأخرجونا جميعاً. وقدم قبلي إلى الرشيد، فسأله عن أحمد بن عيسى، فقال: لا تسألني عنه، وافعل ما بدا لك؛ فلو أنه تحت ثوبي ما كشفت عنه.
فأمر به، فضربت عنقه، ثم قال: أظنك يا إسماعيل ارتعت! فقلت: دون ما رأيت تسيل منه النفوس؛ فقال: ردوه إلى محبسه، فردوني.
[وذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد]
قال: صنع أبو دلف القاسم بن إسماعيل العجلي.
أنا أبو دلف البادي بقافية ... جوابها يعجز الداهي من الغيظ
من زاد فيها له رحلي وراحلتي ... وخاتمي والمدى فيها إلى القيظ
فظن أنه لا ثالث لهاتين القافيتين، فصنعت:
قد زدت فيها ولو أمسى أبو دلفٍ ... والنفس قد أشرفت منه على الفيظ
قال علي بن ظافر: تذاكرنا بهذه القطعة فقال بعض الحاضرين: لم يبق رابعه، فصنعت:
أزيد فيها ولو ماتا بغيظهما ... ما ألقت النمل أحياناً من البيظ
وذلك أن كل بيض لطائر أو حيوان فبالضاد إلا بيظ النمل فإنه بالظاء؛ وكل ما يفيض من إناء وغيره فبالضاد إلا فيظ النفس، فإنه بالظاء.
ثم صنع القاضي الأعز بن المؤيد رحمه الله بعد ذلك بديهاً:
ذو الحزم لا يتعدى في فعائله ... ما دام للناس تكوين من البيظ
والبيظ ها هنا: ماء الرجل.
ثم صنع شهاب الدين ابن أخت الوزير نجم الدين - رحمه الله:
يا سادتي في القوافي قل ما تركوا ... كماتح البئر لم يترك سوى البيط
حازت قوافيكم الظاآت أجمعها ... كمثل ما حيز مح البيظ بالبيظ
لكن مواعيد باديكم أبي دلف ... لا صدق فيها كمثل الآل والبيظ
البيظ في القافية الأولى: بقية الماء في نقرة البئر، وهي الحفرة التي يبقى فيها الماء بعد نزحها، وفي القافية الثانية: قشرة البيض الرقيقة فوق المح وهو الغرقئ، قال زهير: