ومفهومها ومعقولها، ونظراً لعلمه الشامل الدقيق بالأصول التي
يستدل بها المتفق عليها والمختلف فيها، وعلمه بمقاصد الشريعة،
فمن هذه صفته، فهو ممن يستضاء برأيه، ويستشهد بهديه، وإذا كان
كذلك فخلافه يشير إلى وجه من الرأي معتبر، وإذا ظهرت عِلَّة
اعتباره في الخلاف انبنى عليه اعتبار الوفاق، فلا يشترط فيمن ينعَقد
به الإجماع حفظ الفروع يؤيد ذلك أمران:
أولهما: أن بعض الصحابة كالعباس، وطلحة، والزبير، وسعد
ابن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي عبيدة بن الجراح،
ونحوهم ممن لم يشتهروا بالفتوى كان يعتد بخلافهم ووفاقهم في
انعقاد الإجماع، فلا ينعقد الإجماع بدونهم، وهم يتساوون مع أهل
الفتوى من الصحابة المشهورين - كابن عباس، وابن عمر، ومعاذ،
وزيد، والخلفاء الأربعة - فلم يفرق بين هؤلاء وأولئك في انعقاد
الإجماع، مع أن الأوَّلين لم يكونوا من الحافظين للفروع، وما كان
ذلك إلا لأن الأولين أهل لفهم نصوص الكتاب والسُّنَّة، ويعرفون
طرق استنباط الأحكام منهما، ومن هذه صفته فلا يمكن أن ينعقد
الإجماع بدونه.
ثانيهما: أن العالم بأصول الفقه يعتبر قوله في الإجماع، دون
الفقيه، لأن الفقيه الحافظ للفروع يحتمل أن يفوته حفظ الجزئيات
الدقيقة لمسائل الحيض، أو دقائق مسائل الوصايا، أو النفقات، أو
الطلاق، أو الحدود، أو دقائق أي باب من أبواب الفقه، أما
الأصولي فلا يحتمل، ذلك فيه؛ لأنه قد فهم القواعد الأصولية التي
تندرج تلك الفروع تحتها.
المذهب الثاني: أنه يعتبر قول الفقيه في الإجماع، دون الأصولي.
وهو مذهب بعض العلماء.