بين يديه آمناً أن تهن عزيمته دون الإجادة بعد ذلك عالماً أن الكلام لابد لأن يأتيه في أي مقام طيعاً ولو بعد حين.
حاضر المحفوظ من أفصح أساليب العرب ينسج على منوالها ويتخير نفائس مفرداتها وأعلاق حلاها. له غرام باللفظ لايقل عن الغرام بالمعنى. وفي أقصى ضميره يؤثر البيت المجاد لفظاً على المجاد معنى. فإذا فاته الابتكار حيناً في التصوير، أولع بالاجتماعيات فقال فيها وأجاد ما شاء، فهو على الجملة أحد الثلاثة الذين هم نجوم الأدب العربي في مصر لهذا العصر، ولكل من تلك النجوم منزلة وإضاءته وأثره الخالد.
أما شعره فشعر البيان وإن من البيان لسحراً. ومن شعره الاجتماعي، قوله:
كم ذا يكابد عاشقٌ ويلاقي ... في حبِّ مصرَ كثيرةِ العشَّاق
إني لأحملُ في هواكِ صبابة ... يامصرُ، قد خرجت عن الأطواقِ
لهفي عليكِ? متى أراك طليقةً ... يحمي كريمَ حماكِ شعبٌ راقٍ
كلفٌ بمحمود الخلالِ، متيمٌ ... بالبذلِ بين يديكِ والإنفاقِ
إني لتطربني الخلالُ كريمةٌ ... طربَ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقِ
ويهزُّني ذكرُ المروءةِ والنَّدى ... بين الشّمائلِ هزّةَ المشتاقِ
ما البابليَّةُ في صفاءِ مزاجها ... والشربُ بين تنافس وسباقِ
والشمس تبدو في الكؤوسِ وتختفي ... والبدرُ يشرق من جبين السّاقي
بألذ من خلقٍ كريم طاهرٍ ... قد مازجتهُ سلامةُ الأذواقِ
فإذا رزقتَ خليقة محمودة ... فقدِ اصطفاكَ مقسّمُ الأرزاقِ
فالناسُ هذا حظهُ مالٌ، وذا ... علمٌ وذاك مكارمُ الأخلاقِ
والمالُ إن لم تدَّخرهُ محصناً ... بالعلم كان نهاية الإملاقِ
والعلمُ إن لم تكتنفهُ شمائلٌ ... تعليهِ كان مطية الإخفاق