هذا وإذا كان الحضرمي هو رأس البصرية (١١٧هـ) فقد اختلف فيمن يمكن أن يكون رأس الكوفية فقد جاء في المظان أن بعض أئمة البصرة قد هجروها إلى الكوفة فأقاموا بها، وكان أشهر هؤلاء أبو جعفر الرؤاسي محمد بن أبي سارة (١٩٠هـ) وهو أول من وضع كتاباً في النحو من أهل الكوفة فأخذ عنه الكسائي أبو الحسن علي بن حمزة (١٨٩هـ) وهو إمام الكوفية، كما كان الخليل إمام البصرية، وأخذ عن الرؤاسي الفرّاء أبو زكريا يحيى بن زياد (٢٠٧هـ) ، وهو علم الكوفية بعد الكسائي. وإذا قال سيبويه (قال الكوفي) فقد عنى الرؤاسي هذا. وبذلك يمكن أن يعد الرؤاسي رأس الكوفية مع عمه معاذ بن مسلم الهرّاء مبدع علم التصريف، وقد عمر طويلاً (١٨٩هـ) . قال الفيروز ابادي في البلغة:
(أبو جعفر الرؤاسي أستاذ أهل الكوفة في العربية) .
وإذا كان الكسائي قد نهج حدود المذهب الكوفي في التعويل على النقل خلافاً للبصرية في اعتمادها على النظر العقلي فإن الفراء قد شايع الكوفي فيما استن من أصول، ولو خالفه في كثير من المسائل، بل دافع عن النهج الكوفي حتى غدا وكأنه أمام الكوفية. وهكذا قد استمسك بالرواية وأبى للنحوي أن ينهج نهج المتكلمين والمناطقة والمتفلسفين. وكان القرآن مادته الأولى في روايته، فبدا أميناً على خصوص اللغة وطبيعتها، كما كان ثعلب أبو العباس أحمد بن يحيى (٢٩١هـ) من بعده مخلصاً لهذا النهج مردداً لأقول الفراء، محتجاً بآرائه، غير عابئ بالتعليل. ولم يعرف عن ثعلب أنه حاول فلسفة اللغة أو منطقة النحو، كما حاول البصريون وخصمه منهم، وهو المبرّد. ويُعزى إلى ثعلب الفضل في إشاعة المذهب الكوفي والتبشير به، كما يُعزى إلى المبرّد دعوته إلى البصرية وبراعته في الإغراء بها.