للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسن الظن به، مفوض أمره إليه، شائع الصدقات والإيثار، يحب أهل العلم، ويكثر مجالستهم، ويتواضع لهم ويأبى الرئاسة، يصنع ذلك تقربًا لوجه الله تعالى.

وردت محروسة إربل في أوائل المحرم سنة خمس وعشرين وستمائة، فقصدت منزله المعمور لأشاهده، فابتهجت برؤيته، وأنست بمحاورته، فألفيته ظاهر البشر والكياسة، صادق الظن والفراسة؛ شريف النفس كريمها، واسع المروءة عظيمها، متحليًا بالأخلاق الزكية، مرتديًا بالخلال المرضية، يرغب في ادخار المجد وابتنائه، واكتساب الحمد واقتنائه، يشوب جده في الخلوات بهزل ألذ من الغناء، وأسرع في العروق من جري الصّهباء.

ثم شاهدت من أفضاله وفضله، وسعة صدره، وغزارة عقله وإحسانه إلى الأنام، ما حبب إلي السكنى بها والمقام، فعند ذلك استوطنت كنفه الرحب، ووردت منهل برّه العذب، فصحبته ستة أعوام في أرغد عيش وأهنأه، وأطيب زمان وأسناه، وأوفى سرور وأكمله، وأتم نعيم وأجمله. وكم أخذنا في الأناشيد، وتجاذبنا طرفها، وتذاكرنا فنون الملح، وبدائع أصنافها.

وكان جده الرئيس أبو البركات المبارك بن موهوب_ قدس الله روحه وبرد صفيحه_ من الموصل من أبناء رؤسائها، ومن ذرية النعمان بن المنذر بن ماء السماء_ ملوك الحيرة_ وأنتقل إلى إربل هو وأولاده في أيام الأمير أبي الهيجاء الحسين بن الحسن بن موسى بن جلوية الكردي الهذباني_ صاحبها_ فتولى له الاستيفاء في ديوانه، وهم أهل بيت معروف بالجلالة والرئاسة والأصالة لا رجل واحد منهم، هو وأبوه وجده وجد أبيه وعمّه وإخوانه؛ كل يعرف بالمستوفي.

والصاحب أبو البركات واسطة عقد البيت، به كملت سيادتهم، وإليه انتهت رياستهم، وزين عترته، وعز أسرته، خدم السلطان الملك المعظم مظفر الدين أبا سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين_ رضي الله عنه_ في ديواني الوقوف والاستيفاء؛ كتب له الإنشاء أربعين سنه، لم يتناول على ذلك اجرًا ولا جراية، كما استمرت عادة المتصرفين في الولايات؛ على انه يسلم ويرجو السلامه منه والخلاص، فلم يتهيأ له ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>