فيا لله! أي نجم للفضائل هوى، وغصن للمكارم ذوى، فلقد انهدم ركن السماحة وقل شبا الفصاحة، وميّلت اليراع أسفًا عليه قدودها، ولطمت الدوى كآبة عليه خدودها، وبكت عيون الآداب وشقت جيوبها، فسقي الله صفيحه منهمر الشابيب، وألبسه من رضوانه أفخر الجلابيب، وأحسن منقلبه ومثواه، ونقع جدثه وروّاه، وحشر مع أحبابه الميامين الغرر؛ فلقد مضي محمود الخلائق، مشكور الطرائق، جميل العواقب، جمّ المناقب، قد أخذ حزنه من كلّ قلب بسهم، وأيتم فقده كل ذي أدب وفهم، وعاد روض الفضل ذاويًا، ورسم الجود دارسًا خاويًا.
فلقد مضي لي معه أوقات مذهبات، كانت للأتراح مذهبات؛ أدرنا فيها كؤوس المذاكرة، وفتقنا نوافج المحاورة، وجاذبنا أهداب المناقشة، وجلنا في ميادينها خيل المحادثة، وتذاكرنا غررًا من أصناف الفوائد، ما لو كنّ حليًا كانت في نحور الحسان الخرائد، فواأسفي علي ذلك الزمن النضر، الذي كان بقربه فرصة العمر، والعيش الأنيق، والوقت الرفيق! فكأنه كان خطّ ماشق، أو استراق نظرة من عاشق.
وقد صنّف_ رحمه الله_ تصانيف جليلة، يتعذر وجود مثلها لم يسبق إليها منها: كتاب تاريخ إربل، سماه "نباهة البلد الكامل ومن ورد عليه من الأماثل". يتضمن أسماء من وقع إليه ممن ورد إربل، وولاتها من الملوك والأمراء والزهاد والعلماء والشعراء والكتاب. "الأمثال والأضداد في سرقات الشعراء"؛ يتضمن صدره ضروب السرقات المحمودة والمذمومة وأسماءها، وهو مبوب أبوابًا في فنون الشعر، وكتاب في "صناعة البديع"، وكتاب نبّه فيه علي مواضع من كتاب "الأنيس والجليس"؛ وهو ما أغفله المعافي بن زكريا الدريري النهرواني فيه، وكتاب "حاجة الكاتب والشاعر"، فيه ضرورة الشعر وشيء من علم العروض والقوافي، وكتاب "الممتنع المؤنس" ذكر فيه من صدر دولة بني العباس من مشهوري الشعراء إلي زمانه،