للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاعر المصنّف، واصف در المنظوم وزبرجده، وصائغ لجين المنثور وعسجده، ذو القريحة المتوقد لهبها، والفكرة الخالص من الغش ذهبها، تسمو علي مناط النجوم همته، وتلوي شبا المرهفات عزمته، المستضاء بنور رأيه في دياجي الخطوب، المنبيء بألمعيته عما في فنون الغيوب، الخالص في ولاء العترة النبوية، المذعن بمحبة السادة العلوية، شمس أربل وبدرها، وعالمها البارع وصدرها، وفخر أماثلها، وجمال أفاضلها، من لم تر الدنيا له نظيرًا، ولا سمعت بمثله جليلًا ولا خطيرًا، بقية الأكارم الأجواد، وأحد الأعيان الأمجاد، الأريحي المفاضل، ولي الإنعام والإفضال، ذو الفضل الكامل، والجود الشامل، والمحاسن الوافرة، والمفاخر المتكاثرة، والعقل الرصين، والدين المتين، المهذب الأخلاق، الطيب الأعراق، الرفيع الشأن، الموصوف بكل لسان، طراز مصره، المشار إليه في عصره، أكرمهم طباعًا، وأطولهم في المكرمات باعًا، ربعه مقصد الوافدين، وحنابه كعبة القاصدين، فهو من إسداء المعروف وسعة الإنفاق، ما سارت به الأمثال في أقطار الآفاق؛ فلو أنّ الكرم تاج لكان درّته، أو كان المجد محيا لكان غرّته، فقد ألبسه الله من المكارم جلبابًا ضافيًا، وأحيا به ربع الفضل بعد أن كان طامسًا عافيًا؛ فإنه منذ أكمل العشر من السنين، أستظهر القرآن المبين، وأغري بنظم القريض، حتي صار له فيه الباع العريض.

ثم سمع الكثير من الأحاديث النبوية، وقرأ العلوم الأدبية، وجالس العلماء، وحاضر الفهماء، وأفضل عليهم، وأحسن إليهم، وأحرز علوم الآداب وأفانينها، وأحكم أصول الفضائل وأتقن قوانينها، وصار وصار أوحد زمانه، مبرزًا علي نظرائه وأقرانه.

ثم إنه أعلم هذا الزمان، بعلمي المعاني والبيان، ومعرفة الأشعار النادرة، والأمثال السائرة، والرسائل والتبحر في فنون الفضائل، والاطلاع علي التواريخ، وسير المتقدمين، وعلم التصرف ومما يتعلق بفنّ المساحة والاشغال الديوانية، ما فاق به كل بليغ في بيانه، وعالم في فنّه وإتقانه، ولما ملك العسكر المستنصري، مدينة غربل عنوة، واستقرّ بها وذلك بعد وفاة مالكها مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين؛ وتولي إمارتها الأمير أبو المكارم باتكينبن عبد الله المستنصري، ندب الصاحب أبا البركات إلي خدمته وعرض عليه الوزارة وأن يكون نائبه في الأشغال الديوانية، وحكّمه في الأمر والنهي، وألقي إليه مقاليد الأمور

<<  <  ج: ص:  >  >>