لا يؤمن من غشه، فإذا اجتمعت النصيحة والعقل في رجل فحق المستشير أن يصغي إلى قوله، ويعمل برأيه، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الحزم ما هو؟ قال:"أن تستشير ذا الرأي، وتطيع أمره" ومن كانت هذه صورته فليس لك أن تخالف مشورته إلا فيما يبين لك أنه أخطأ وجه الرأي فيه، فإن المستشار مجتهد، والاجتهاد يخطئ ويصيب، فليس على المجتهد أن يصيب، وإنما عليه الاجتهاد في الإصابة، وإذا كنت مشيراً فاعلم أن المستشار مؤتمن، وأن من أشار بغير الحق عنده سلب رأيه، فامحض من استشارك النصيحة وإياك ومقاربته في رأيه المتفق عليه، والتقريب من قلبه إذا كان ذلك مدخلاً عليه ضرراً في عاجل أمره أو آجله، فإن ذلك من الخيانة، ولا يكرئك كراهيته لقولك فيما أصلحه، فإن الطبيب العالم لا يلتفت إلى كراهية العليل للدواء إذا علم أنه ينفعه، بل يحمله من ذلك ما يبشعه ويحميه، من لذيذ الغذاء ما يشتهيه ويلذه، وإن استشارك عدوك في أمر فانصح له فيه فإنك تجمع بذلك مع تأدية الأمانة في المشورة شيئين:
أحدهما أن يكون عدوك عاقلاً، ويراك قد اجتهدت في نصيحة، فيتبين عقلك وفضلك، وربما كان ذلك سبيلاً إلى نزوعه عن عداوتك، ورجوعه إلى تلافيك واستقالتك. والآخر أن يكون عدوك جاهلاً بموقع النصيحة ومخارج الرأي، وهو مع ذلك معتقد لعدواتك، فيتيقن أنك تغشه فيما تشير به، فربما خالف مشورتك بجهله بصحتها، وقد محضته النصيحة فيها، فإذا فعل ذلك فقد أهلك نفسه، وأراحك من عداوته، وكنت موفوراً، وعند