إحداهما أنه يعدم المشورة، وقد أمر الله بها فقال:{وشَاوِرهُم في الأمر} وأمننا الرسول - عليه السلام - من سوء عاقبتها فقال:"لن يهلك امرؤ بعد مشورة" وقيل: "ما حار من استخار، ولا ندم من استشار" فمن كتم النصيح أمره، وطوى عنه سره، واستغنى برأيه عنه، كان كمن كتم الطبيب علته، واستغنى بتجربته عن مشاورته، فهو حقيق بزيادة علته حتى يؤديه إلى ما يعجز عن تلافيه.
والثاني إيحاش أخي النصيحة وإفساد قلبه، إذا رآك قد حصنت سرك دونه، واستظهرت عليه بالمكاتمة له، والعدل في ذلك وصواب الرأي أن تصن أيضاً ممن اتهمته، وتغلق باب الأنس بينك وبينه، حتى لا يطلع لك على مكنون، بظن ولا يقين؛ وأن تحترس أيضاً ممن لا تثق غاية الثقة به، فلا تطلعه من أمرك على ما تخاف منه بدو سرك، وإذا وثقت الثقة كلها بالإنسان، وكشفت له عن صحة عيبه شواهد الامتحان، فلا عليك أن تطلعه على أكثر أمرك، وعلى ما يصلح أن تطلعه عليه من سرك، فتشتري بما تطلعه عليه أنسه، وتملك به قلبه، وتزيد به في تأكيد الحال بينك وبينه، وتقيس الصواب من مشورته فيما اشتبه عليك من رأيه، فإن الرأي في صدور الرجال كما قال الأول؛ وإنما صار الإنسان محتاجاً إلى المشورة، وكان المشير أولى بالصواب من المستشير، لأن المستشير يلقيى من استشاره بقلب فارغ مما قلبه مشغول به، وذهن غير مكدود بما ذهنه مكدود به، فيكون إلى إصابة الرأي أقرب، فليس ينبغي أن يكتفي المستشري بنصيحة المستشار حتى يأنس منع عقلاً صحيحاً، ورأياً مصيباً، فإن النصيحة من الجاهل غير نافعة، لأن رأيه غير صحيح، والرأي من العاقل الذي لا يوثق بنصيحته غير نافع أيضاً لما