للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المنزلة عند الله - عز وجل - وعند خلقه، والكاذب المبطل ساقط المحل عند الله - عز وجل - وعند خلقه. فالعاقل حري بلزوم شرف المنزلتين، وطلب أعلى الدرجتين إن شاء الله. ولما علم سبحانه أن الباطل والكذب قرينان مع طبائع كثير من عباده، ملائمان لشهواتهم، مطابقان لمداراتهم، وكان طول استماع الكذب ومعاشرة أهله مخوفين على إطلاق الناس، خليقين بأن يصيرا إعادة لهم على طول الملابسة نهى الله - سبحانه - عن القعود مع المبطلين كما نهى عن الخوض في الباطل وذم مستمعي الكذب، كما ذم الكاذبين فقال - عز وجل -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}، وقال في ذم قوم: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}.

وكقول الشاعر:

(فسامعُ القول كمن قاله ... ومُعظِم المأكول كالآكل)

وإنما أمر الله - عز وجل - الحكماء بذلك لما قدمناه من الاحتياط على الناس لئلا يصير ذلك عادة لهم، ولأن استماع الكذب، والصبر على معاشرة المبطلين على باطلهم رضا بذلك، ومن رضي بالباطل فهو مبطل، ومن قنع بالكذب فهو كاذب، [فعليه أن يتجنبهم] ويهرب من استماع كذبهم وباطلهم ما أمكنه ذلك، فإن اضطرته نفسه إلى حضور ذلك أو استماعه صدف عنه، ولم يرعه سمعه وكان كالغائب عنه، فإن ذلك أولى به في إصلاح أخلاقه وتأديب نفسه.

وأما النافع والضار: فإن النافع من الحديث ما كانت عواقب القول فيه

<<  <   >  >>