للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة له عوناً على هذه الساعات.

وأما مجالس السوقة فليس يخلو من عاش بينهم من حضورها ولابد للإنسان من ملابستهم فيها، فحق العاقل الا يلقاهم بكل رأيه، ولا بجميع عقله فيها، وأن يستعمل في مخاطبتهم ومعاملتهم بعض المقاربة لأحوالهم، فإن ذلك أولى بسياستهم. وقد روي أن عمر - رضي الله عنه - صرف زياداً عن بعض عمله، فقال له: الذنب كان صرفك إياي؟ ! فقال: لا، ولكني كرهت أن أحمل فضل عقلك على العامة.

وقد فسر هذا المعنى بعضهم، والناس في أشكالهم أمثل. وربما كان التغابي من الإنسان للعوام، والتغاضي لهم في الأمور العظام، أحد الطرق المستقيمة إلى بلوغ المراد منهم، لأنهم متى تصوروا الإنسان صورة من هو أعلى في الفهم والضبط منهم حذروه، واستعملوا الاحتراس منه فيما ينبغي أن يحترس منه فيما لا ينبغي، واستشعروا فيه في جميع أمره الحيلة عليهم، فاستدت الطرق بذلك على معاملهم في بلوغ مراده منهم، وإذا كان عندهم مساوياً لهم في العقل والحيلة والتجربة والرجلة استرسلوا إليه، وعاملوه بمثل معاملة بعضهم لبعض، فلا بأس أن يتغابى العاقل لهم، وأن يظهر ما يستديم به أنسهم واسترسالهم، ولا يفتح باستعمال غيره باب التقبض والاحتشام بينه وبينهم من غير أن يزيد في ذلك على مقار ما توجبه السياسة، فإنهم متى اجترأوا عليه وطمعوا فيه لحقه من الضرر بذلك أكثر مما يلحقه بانقباضهم عنه. وقد أمر معاوية عمراً حين أرسله للحكومة هذا الذي ذكرناه بعينه

<<  <   >  >>