فإن قلت: هلا قيل: فلما نبأت به بعضهن، وعرفها بعضه؟
قلت: ليس الغرض بيان من المذاع إليه ومن المعرف، وإنما هو ذكر جناية حفصة في وجود الإنباء به وإفشائه من قبلها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرمه وحلمه، لم يوجد منه إلا الإعلام ببعضه، وهو حديث الإمامة. ألا ترى أنه لما كان المقصود في قوله:{فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} ذكر المنبأ، كيف أتى بضميره؟ !
قالت هذا الكلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل الفرج، لأن مقام العتاب الذي يترشح من قوله:{عَرَّفَ بَعْضَهُ} أي: جازى عليه، من قولك للمسيء: لأعرفن لك، يأبى ذلك، بل هو تعليل أو تمييز لقولها:"ما ملكت نفسي فرجًا"، وكان القياس أن يقال: خص الله بها أبي، ولعل الراوي نقل المعنى لا لفظها، أو التفتت.
قوله:(هلا قيل: فلما نبأت به بعضهن)، يعني: كان القياس أن يقال: "نبأت به بعضهن" بدل {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} لأن حفصة نبأت بالحديث الذي أسرها النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه، يعني: عائشة، وأن يقال: عرفها بعضه، لأنه عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الحديث لحفصة، وهو حديث الإمامة.
وأجاب أن سياق الكلام ليس في شأن المذاع إليه، أي: عائشة رضي الله عنها، وفي شأن المعروف، أي: حفصة رضي الله عنهما ليذكرهما، بل في معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم وابتغائه مرضات أزواجه، وفي شأن جناية حفصة، ثم في حكم النبي صلى الله عليه وسلم وإعراضه عن بعض جنايتها، فلما دل قوله {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} على الجناية، وقوله:{عَرَّفَ بَعْضَهُ} على الإعراض عن البعض، أتى بهما وترك ذكرهما. ويعضده إتيان ضمير المنبأ به في قوله:{فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ} مع الاستغناء عنه بقرينة الأحوال لأنه هو المقصود في الذكر.