قوله:(قد استعار الله النور للحق والقرآن والبرهان)، يعني: لا يحمل "النور" الذي في الآية على حقيقته للصارف، وقد ورد في التنزيل بمعنى الحق والقرآن والبرهان على المجاز من ذلك، فعلى هذا: قوله تعالى: {وأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} مستعار لقولنا: وتزينت أرض القيامة بما يقام فيها من الحق وبسط العدل من القسط في الحساب. وينادي على أنه مستعار الإضافتان؛ أي: إضافة "النور" إلى "الرب"، وإضافة "الرب" إلى "الأرض". عن بعضهم: دل على أنه مستعار إضافة" النور" إلى"الرب"؛ لأن الله هو الحق العدل، فناسب أن يراد بـ"النور": الحقية والعدالة، فالحق والعدل صفة الله وما أضيف إليه المراد به المصدر لا الوصف؛ ليتغايرا.
وقلت: شبه إقامة الله الحق والعدل في أرض القيامة للاستنفاع بهما، وتزيينهما بهما، بإشراق النيرين وجه الأرض، وتبيين ما فيها، ثم حذف المشبه، وأقيم المشبه به مقامة، وجعلت القرينة الإضافتين، وفي الممثل به ثلاثة أشياء: وجود النيرين، وإشراقها الأرض، وإبانة الأشياء بنورهما؛ ففي المشبه تحقبق وجود الحق والعدل، وبسطهما في أرض القيامة، وإقامتهما بحسب اقتضاء صالح الأعمال وسيئها، لا على أن هذه الأشياء كل واحد مشبه ومشبه به، بل على جعل الوجه منتزعا من المجموع، إما على التوهم؛ ليكون تمثيلية، أو على التحقيق والزبدة؛ لتكون عقلية.
إذن قوله أولًا:"استعار النور للحق والقرآن والبرهان في مواضع" تصحيح هذه الاستعارة بحسب العرف التنزيلي. وثابيًا:"وينادي عليه بأنه مستعار" بإقامة الصارف الموجب للتأويل، وثالثا:"وإضافة اسمه إلى الأرض" بتخصيص المستعار له وأنه العدل لكن بطريق اللوزم، وكأن الرتبة في هذا المقام ملزوم العدل. ورابعا:"ثم ما عطف على إشراق الأرض"