للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبضته، أي: ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة، يعنى: أن الأرضين مع عظمهن وبسطتهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته، كأنه يقبضها قبضة بكف واحدة، كما تقول: الجزور أكلة لقمان، والقلة جرعته، أي: ذات أكلته وذات جرعته؛ تريد: أنهما لا تفيان إلا بأكلة فذة من أكلاته، وجرعة فردة من جرعاته. وإذا أريد معنى القبضة فظاهر؛ لأن المعنى: أن الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة.

فإن قلت: ما وجه قراءة من قرأ: (قبضته) بالنصب؟ قلت: جعلها ظرفا مشبها للمؤقت بالمبهم. {مَطْوِيَّاتٌ} من الطي الذي هو ضد النشر، كما قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ} [الأنبياء: ١٠٤]، وعادة طاوي السجل أن يطويه بيمينه. وقيل: {قَبْضَتُهُ}: ملكه بلا مدافع ولا منازع، و {بِيَمِنِهِ}: بقدرته. وقيل: {مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِنِهِ}: مفنيات بقسمه؛ لأنه أقسم أن يفنيها، ومن اشتم رائحة من علمنا هذا فليعرض عليه هذا التأويل ليتلهى بالتعجب منه ومن قائله، ثم يبكي حمية لكلام الله المعجز بفصاحته، وما مني به من أمثاله؛ وأثقل منه على الروح، وأصدع للكبد تدوين العلماء قوله، واستحسانهم له، وحكايته على فروع المنابر، واستجلاب الاهتزاز به من السامعين. وقرئ: (مطويات) على نظم السماوات في حكم الأرض،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (الجزور أكلة لقمان)، وهو لقمان بن عاد، وكان أكولًا، وأفرطوا في الإفراط في أكله، حتى رووا أنه كان يتغدى بجزور ويتعشى بجزور ويتعلل بفصيل، فأفضى إلى امرأته فلم يصل إليها، فقال: كيف أصل إليك وبيني وبينك جزوران، وكان شجاعًا.

قوله: (وقيل: {قَبْضَتُهُ}: ملكه) إلى آخره، شروع فيما قيل في تفسير الآية، وقوله (ومن اشتم رائحة من علمنا) تحكم في الفرق بين التفسيرين؛ تفسيره وتفسيرهم.

قوله: (على نظم السماوات في حكم الأرض)، يعني: كما أن الأرض أخبر عنها بقبضته، فدخلت تحت القبضة، أخبر عن السماوات بيمينه، فدخلن تحت اليمين، وكما أن {جَمِيعًا} حال مقدم، كذا {مَطْوِيَّاتٌ}، وافتراق هذه القراءة من الأولى افتراق قولك: الكتاب مطوي بيمينه، وبيمينه مطويًا، والأولى أولى؛ لما يتصور منه السامع طي النشر

<<  <  ج: ص:  >  >>