للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قتلُ الكافرِ من عَمَلِ الشّيطانِ، وسمّاه ظُلمًا لنفسِه واستُغْفِرَ منه؟ قلتُ: لأنّه قَتلَهُ قبلَ أن يؤذَنَ له في القتلِ، فكان ذَنَبًا يُستَغفَرُ منه. عن ابن جُرَيج: ((ليس لنبيٍّ أن يَقتُلَ؛ ما لم يؤمرْ)). {بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} يجوزُ أن يكونَ قَسَمًا جوابُه محذوفٌ، تقديرُه: أُقسِمُ بإنعامِكَ عليَّ بالمَغفِرةِ لأَتُوبنَّ؛ {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}، وأن يكونَ استعطافًا، كأنَّه قال: ربِّ اعصمني بحقِّ ما أنعمتَ عليَّ من المغفرةِ، فلن أكُونَ، إن عصمتَني، ظهيرًا للمُجرِمِين. وأراد بمُظاهرةِ المُجرِمِين: إمّا صُحبةَ فرعونَ وانتظامَه في جُملتِه، وتكثيرَهُ سوادَهُ؛ حيثُ كان يَركبُ برُكُوبِه؛ كالوَلَدِ مع الوالد، وكان يُسمّى ابنَ فرعون. وإمّا مُظاهرةَ مَنْ أدّتْ مُظاهرتُه إلى الجُرمِ والإثمِ، كمُظاهرةِ الإسرائيليِّ المُؤديةِ إلى القتلِ الّذي لم يَحِلَّ له. وعن ابنِ عباسٍ: لم يَسْتَثنِ فابُتليَ به مرّةً أُخرى. يعني: لم يقل: {فَلَنْ أَكُونَ} إن شاءَ الله. وهذا نحوُ قولِه: {وَلَا تَرْكَنُوَا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: ١١٣]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (وأنْ يكونَ استعطافًا)، قالَ ابنُ الحاجِب: القَسَمُ جملةٌ إنشائيّةٌ يُؤكّدُ بها جملةٌ أخرى؛ فإنْ كانتْ خبريّةً فهُوَ القَسَمُ لغيرِ الاستعطاف، وإنْ كانتْ طلبيةً فهُوَ للاستعطاف.

وقلتُ: الاستعطافُ يُستفادُ مِنَ اللفظِ الذي يُشعِرُنا بالعَطْفِ والحُنُوّ؛ فكأنّ الداعي يستعطفُ المدعُوّ بنعمةِ المغفِرة، ويجعلُها وسيلةً لطلبِ العِصْمة، وقدْ لَمحَ إليهِ في أولِ ((النساء)). ومما يدلُّ على أنّ الاستعطافَ ليسَ بقَسَمٍ أنّ المصنِّفَ جعلَهُ هاهنا قَسيمًا للقَسَم؛ لأنّ القائلَ إذا قال: تالله لأفعلَنّ كذا؛ انعَقَدَ اليمين، ولو قال: تاالله أفعَلُ كذا؛ لا يَنعِقد اليمين. وعلى الوجهِ الثالثِ- وهُوَ قولُه: ((بما أنعمتَ علىّ مِنَ القُوّة)) -: الباءُ سَبَبِيّة؛ فحينئذٍ لا يكونُ قَسَمًا، ولا استعطافًا؛ فالمعنى: بسببِ ما أنعمتَ عليّ مِنَ القُوّة؛ أشكُرُك، فلنْ أستعملَ القُوّةَ إلا في مُظاهَرةِ أوليائك. قالَ في قولِه تعالى: {رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ} [الحجر: ٣٩]: ((ويجوزُ أنْ لا يكونَ قَسَمًا، ويكونَ المعنى: بسببِ تَسْبيبِكَ لإغوائي أُقسِمُ لأفعلَنّ)).

<<  <  ج: ص:  >  >>