للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصفحوا. وقيل: إذا ذكروا النكاح كنوا عنه.

[(وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً)].

(لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها) ليس بنفي للخرور، وإنما هو إثبات له، ونفي للصمم والعمى، كما تقول:

لا يلقاني زيد مسلما، هو نفي للسلام لا للقاء. والمعنى: أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصا على استماعها، وأقبلوا على المذكر بها، وهم في إكبابهم عليها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي: هذا الإعراض والصفح شيمتى وخلقي، ولذلك قرنه بحرف التقليل المفيد للتكثير تمليحاً، كقوله:

قد أترك القرن مصفراً أنامله

قوله: (كنوا عنه)، أي: بالغشيان والمسيس والمباشرة والإتيان دائمين مستمرين.

قوله: (ليس بنفي للخرور، بل إثباتٌ له ونفيٌ للصمم والعمى)، يعني: أدخل حرف النفي على المثبت، وأريد نفي ما يتبعه، كقولك: ما هو بمؤمنٍ مخادع. والنكتة فيه التعريض بمن هو ليس على صفتهم، ولذلك قال: "لا كالذين يذكرون بها فتراهم مكبين عليها، إلى قوله: "وهو كالصم والعميان"، وما أحسن اقتران هذا الوصف مع قوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} لا يختلط جدهم بهزل، وحقهم بباطل، فإذا اعتراهم الهزل تنزهوا عنه كل تنزه، وإذا اشتغلوا بالحق لا يحوم بالباطل حوله، ومنه قول المنصور لابن عمران: بلغني أنك بخيلٌ. قال: ما أجمد في حق، ولا أذوب في باطل، أو يقال: إذا مروا بالهزل مروا مكرمين متغافلين متغابين، كأنهم ما سمعوه ولا نظروا إليه، وإذا حاولوا الجد أقبلوا إليه بشر اشرهم واجتنبوا عن أن يكونوا كالغافلين عنه لا يسمعونه بآذانٍ واعية، ولا يبصرونه بأعينٍ راعية. اللهم اجعلنا من زمرتهم برحمتك الواسعة يا رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>