للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عقبه بما يزيده توكيداً وتشديداً، حيث أعاده على أسلوبٍ آخر، وهو قوله: {الَّذِينَ يَسْتَاذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، وضمنه شيئاً آخر، وهو: أنه جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين، وعرض بحال المنافقين وتسللهم لواذاً. ومعنى قوله: {لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَاذِنُوهُ}: لم يذهبوا حتى يستأذنوه ويأذن لهم، ألا تراه كيف علق الأمر بعد وجود استئذانهم بمشيئته وإذنه لمن استصوب أن يأذن له؟ والأمر الجامع: الذي يجمع له الناس، فوصف الأمر بالجمع على سبيل المجاز، وذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (عقبه بما يزيده توكيداً [وتشديداً]، حيث أعادته على أسلوبٍ آخر)، يعني: لما أراد أن يكرر هذا المعنى توكيداً وتقريراً، أعاد المعنى وقلبه، فجعل معنى ما تضمن به المسند مسنداً إليه، وما تضمن به المسند إليه مسنداً، حيث قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَاذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}.

فأفاد الأول حصر المؤمنين في المستأذنين، والثاني عكسه، تعريضاً بحال المنافقين، وتسللهم لواذاً، كما قال: "وما اكتفى بذلك، بل أوقع أولئك خبراً، وعقبه ذكر الإيمانين، ليؤذن بأن أولئك محقوقون بأن يسموا مؤمنين لما اكتسبوا من صفة الاستئذان، واجتنبوا من التسلل الذي هو من صفة المنافقين، وإليه الإشارة بقوله: "جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين".

قوله: (ألا تراه كيف علق الأمر بعد وجود استئذانهم؟ )، يعني: لابد من قيد: "ويأذن لهم"، لأن قوله تعالى: {فَإِذَا اسْتَاذَنُوكَ} مترتبٌ عليه بالفاء، ومعلقٌ به إذنه.

قوله: (فوصف الأمر بالجمع على سبيل المجاز)، وهو يحتمل وجهين، أحدهما: أن يكون إسناداً مجازياً، لأن صاحب الأمر يجمع الناس لأمره وشأنه، فوصف بصفة من هو بسببه، وثانيهما: أن يكون استعارةً مكنية، حيث شبه بإنسانٍ خطيرٍ يجمع الناس لشأنه، نحوه قيل في قوله: {وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ}.

الراغب: الجمع: ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جمعته فاجتمع، قال تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} أي: على أمرٍ له خطرٌ اجتمع لأجله الناس، فكأن

<<  <  ج: ص:  >  >>