أراد عز وجل أن يريهم عظم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله بغير إذنه إذا كانوا معه على أمرٍ جامع، فجعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله، وجعلهما كالتشبيب له والبساط لذكره، وذلك مع تصدير الجملة بـ {إِنَّمَا}، وإيقاع "المؤمنين" مبتدأً مخبراً عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين، ثم
قوله:(كالتشبيب له)، النهاية: في حديث أم معبدٍ: فلما سمع حسان شعر الهاتف شب يجاوبه أي: ابتدأ في جوابه، من تشبيب الكتب، وهو الابتداء بها، والأخذ فيها، وليس من التشبيب في الشعر وهو ترقيقه بذكر النساء، يريد أن قوله:{آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} تمهيدٌ لقوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} على طريقة: أعجبني زيدٌ وكرمه، وأصله: إنما المؤمنون الذين إذا كانوا معه، فجعله تمهيداً لهذا المعنى تفخيماً له، وتعظيماً لمجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه من باب الإيمان بالله ورسوله.
قوله: (وإيقاع "المؤمنين" مبتدأ)، يعني: عرف المبتدأ تعريف جنس، وأوقع الخبر معرفاً موصولاً مشتملاً على صلةٍ فيها ذكر الإيمانين على منوال:
أنا أبو النجم وشعري شعري
فالمعنى: المؤمنون هم الذين اتصفوا بما يستحقون أن يسموا مؤمنين حقاً، ولما كان ذكر الإيمان بالله ورسوله توطئةً لذكر ما بعده، رجع المعنى إلى: إنما المؤمنون: الكاملون الذين استحقوا أن يسموا مؤمنين هم: الذين إذا كانوا معه في أمرٍ جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ..