فاعل (لمْ يَهْدِ) الجملة بعده يريد: ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه. ونظيره قوله تعالى (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ)] الصافات: ٧٩ - ٨٠ [، أى تركنا عليه هذا الكلام. ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول، ويدل عليه القراءة بالنون.
وقرئ (يَمْشُونَ) يريد أنّ قريشا يتقلبون في بلاد عاد وثمود ويمشون (فِي مَساكِنِهِمْ) ويعاينون آثار هلاكهم.
قوله:(وفاعلُ (أَفَلَمْ يَهْدِ) الجملة)، قال صاحبُ "الكشف": فاعلُ (يَهْدِ) مضمرٌ، والمعنى: أفلم يتبين لهم إهلاكنا؟ ولا يكونُ كم في (كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ) فاعلاً ولا مفعولاً؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ولكنه منصوبٌ بـ (أَهْلَكْنَا)، فهو مفعولٌ مقدم، أي: وكثيراً من القرى أهلكنا، وإذا كان الضمير في (يَهْدِ) لله أو للرسول، فـ (كَمْ أَهْلَكْنَا) لجملة في تأويل المفعول.
قال المصنف في قوله تعالى:(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ)[الأعراف: ١٠٠]، إنما عُدي فعل الهداية باللام؛ لأنه بمعنى التبيين. فإذا قرئ بالنون كان المعنى: أولم يهد لهم هذا الشأن؟ كذلك المعنى: أولم يتبين لقريش هذا الشأن، وهو إهلاكنا كثيراً من القرى الخالية والحالُ أنهم يمشون في مساكنهم، والبيان مثل قوله تعالى:(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)[الروم: ٩].
في "اللباب": قال الكوفيون: فاعله: (كَمْ أَهْلَكْنَا)، وهذا لا يجوز عند البصريين؛ لأن الجملة لا تكون فاعلةً، وقالوا: فاعله مضمرٌ يفسره (كَمْ أَهْلَكْنَا) والباء في قول المصنف بمعناه، مثله: كتبتُ بالقلم، أي: فاعلُ (أَوَلَمْ يَهْدِ) هذا بواسطة مضمونه.