لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين: المعيشة الضنك في الدنيا، وحشره أعمى في الآخرة - ختم آيات الوعيد بقوله (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) كأنه قال: وللحشر على العمى الذي لا يزول أبدا أشدّ من ضيق العيش المنقضى. أو أراد: ولتركنا إياه في العمى أشدّ وأبقى من تركه لآياتنا.
الباهرة، ويجوزُ أن تُحمل الآياتُ على آي القرآن، وإتيانُها حفظُها وتعاهدها ليلاً ونهاراً، وقضية النظم يساعدُ؛ فإن قوله تعالى:(فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى)[البقرة: ٣٨]، دالٌّ عليه، لما أن المراد باهلدى، رسول يبعثه، وكتابٌ ينزله كما مر في أول البقرة؛ فقوله:(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي)، معطوفٌ على قوله:(فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ)، وهو جوابٌ للشرط، فيكون المعنى: ومن أعرض عن هداي، ومن الهُدى الكتابُ المنزل. والإعراضُ عنه: غما بأن لا يقبل رأساً، أو لا يُعمل بهن أو يحفظُ ولا يتعاهدُ فينسى، فيقالُ له: أتتك آياتنا، أي حفظتها ثم نسيتها، وكذلك اليوم تترك من لطفنا ورمتنا، ويؤيده ما روينا عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرضت عليَّ أجورُ أمتي، حتى القذاةُ يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت ذنوبُ أمتي، فلم أر ذنباً أعم من سورة من القرآن، أو آية أوتيها رجلٌ ثم نسيها". رواه الترمذي، وأبو داود.
قوله:(لما توعد المعرض)، يريد: أن قوله: (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ) إما مؤكدٌ لمعنى قوله: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ومبينٌ لما قصد به، أو لقوله:(وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى).