للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقرأ ابن مسعود وأبو حيوة: (آتِي الرَّحْمنِ) على أصله قبل الإضافة. الإحصاء الحصر والضبط يعنى: حصرهم بعلمه وأحاط بهم (وَعَدَّهُمْ عَدًّا) الذين اعتقدوا في الملائكة وعيسى وعزير أنهم أولاد الله، كانوا بين كفرين، أحدهما: القول بأن الرحمن يصح أن يكون والدا. والثاني: إشراك الذين زعموهم لله أولادا في عبادته، كما يخدم الناس أبناء الملوك خدمتهم لآبائهم، فهدم الله الكفر الأول فيما تقدم من الآيات، ثم عقبه بهدم الكفر الآخر. والمعنى: ما من معبود لهم في السماوات والأرض من الملائكة ومن الناس إلا وهو يأتى الرحمن، أى: يأوى إليه ويلتجئ إلى ربوبيته عبدا منقادا مطيعا خاشعا خاشيا راجيا، كما يفعل العبيد وكما يجب عليهم، لا يدعي لنفسه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويراني كالشجا في حلقه … عسراً مخرجه ما يُنتزع

نضج اللحم والعنبُ ينضج نُضجاً فهو نضيج، والشجا: ما نشب في الحلق من غُصة هم أو نحوه. و"مَنْ" في "من أنضجتُ" موصوفة، أي: أي رجل أنضجت.

قوله: (فهدم الله الكفر الأول فيما تقدم من الآيات)، وأما الكفر الأول، وهو قوله: (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً) فهدمه قوله: (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ) الآية، وهذا غنما يصحُّ هدماً إذا ذهب إلى ما ذكره صاحبُ "الانتصاف"، أي: لو صح هذا لتعطل وجه دلالة المكونات على تقدسه سبحانه وتعالى ووحدانيته، فاستعير لما فيه من روح الدلالة التي خُلقت لأجلها إبطالُ صورتها بالهدم بالانفطار. وأما الكفر الثاني، وهو ما يلزم من إشراك الأولاد الآباء في المالكية، فهدمه قوله: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) الآيات؛ لأن من يأوي إلى الرحمن ويلتجيء على ربوبيته يكونُ عبداً منقاداً مطيعاً خاشعاً خاشياً لا يكونُ إلا ذليلاً فضلاً عن أن يكون شريكاً.

قوله: (لا يدعي لنفسه) الضمير المرفوع راجعٌ إلى قوله: "ما من معبودٍ"، وهو الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>