للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى تستريح أنت والمسلمون من شرورهم، وتطهر الأرض بقطع دابرهم، فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة، كأنها في سرعة تقضيها الساعة التي تعد فيها لو عدت. ونحوه قوله تعالى: (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف: ٣٥]، وعن ابن عباس رضى الله عنه: أنه كان إذا قرأها بكى وقال: آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك. وعن ابن السماك أنه كان عند المأمون فقرأها، فقال: إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد.

(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) [مريم: ٨٥].

نُصب (يَوْمَ) بمضمر، أى: يوم نَحْشُرُ ونسوق: نفعل بالفريقين ما لا يحيط به الوصف. أو اذكر يوم نحشر. ويجوز أن ينتصب ب (لا يملكون)] مريم: ٨٧ [. ذكر المتقون بلفظ التبجيل، وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته وخصهم برضوانه وكرامته، كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم. وعن عليٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (كأنها في سرعة تقضيها الساعة)، يريد أن قوله: (إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً) كنايةٌ عن سرعة تقضي أجلهم. قال- في قوله تعالى: (دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ) [يوسف: ٢٠]-: "قليلةٌ تُعد عداً، وقيل للقليل: معدودٌ؛ لأن الكثير يمنع من عده كثرته".

قوله: (إذا كانت الأنفاس بالعدد، إلى آخره)، وفي معناه قولُ القائل:

إن الحبيب من الأحباب مختلس … لا يمنع الموت بوابٌ ولا حرس

وكيف تفرحُ بالدنيا ولذتها … يا من يُعدُّ عليه اللفظ والنفس

قوله: (كما يفدُ الوفاد على الملوك)، يعني: ذكر الوفد تمثيلٌ وتشبيهٌ لحالة المتقين بحالة الوفود.

<<  <  ج: ص:  >  >>