فجُرِّدَ هاهنا لمعنى الوعيد. (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ) أى: نطوّلُ له من العذاب ما يستأهله، ونعذبه بالنوع الذي يعذب به الكفار المستهزئون. أو: نزيدُه من العذاب ونضاعف له من المدد. يقال: مده وأمده بمعنى، ويدل عليه قراءة عليِّ بن أبى طالب رضي الله عنه:(ونمد له) بالضمِّ. وأكد ذلك بالمصدر، وذلك من فرط غضب الله، نعوذ به من التعرّض لما نستوجب به غضبه (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) أى: نزوى عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة ونعطيه من يستحقه. والمعنى مسمى ما يقول. ومعنى ما يَقُولُ وهو المال والولد. يقول الرجل: أنا أملك كذا، فتقول له: ولى فوق ما تقول، ويحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه الله في الدنيا مالا وولدا، وبلغت به أشعبيته أن تألَّى
قوله:(فجُرد هاهنا لمعنى الوعيد) أي: اشتمل التركيب على معنى إثبات العمل المؤدي إلى المُجازاة، فجُرد لأحد المعنيين، كأنه قيل: كلا سننتقم منه وإن استأخر الزمانُ. وحاصلُ الجواب أن القصد في كتابة الأعمال إظهار ما فيها على العامل وإعلامها إياه ليسر به أو يحزن، ثم مجازاته بمقتضاها: إن خيرا ًفخيرٌ وإن شراً فشر. فالجواب الأول مبني على الأول، والثاني على الثاني.
قوله:(أو: نزيدُه من العذاب ونضاعف له من المدد). فإن قلت: أليس هذا مخالفاً لما ذكر في "البقرة": (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[البقرة: ١٥] أنه من: مد الجيش، وأمده: إذا زاده، إلى آخره، وليس من المد في العمر والإملاء؛ ولأن الذي بمعنى أمهله إنما هو مدٌّ له مع اللام، كأملي له. قلتُ: بلى، وقد تقرر هنا ما هو عليه.