فليرتدع عنه. فإن قلت: كيف قيل: (سَنَكْتُبُ) بسين التسويف، وهو كما قاله كتب من غير تأخير، قال الله تعالى:(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: ١٨]؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله، على طريقة قوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة
أى: تبيِّن وعُلِمَ بالانتساب أنى لستُ بابن لئيمة. والثاني: أن المتوعد يقول للجاني: سوف أنتقم منك، يعنى: أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر،
القائل، وذلك نقيضٌ، أي: في الإثبات. قال تعالى:(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا) إلى قوله: (أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلاَّ) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله:(وهو كما قاله)، أي: يُكتبُ عند صدور القول منه من غير تأخير، والكافُ لمقارنة الوجود. قال صاحب "اللباب": تجيء الكاف لقران الوقوع، وفي الحديث:"خيرُ الناس رجلٌ ممسكٌ بعنان فرسه، كلما سمع هيعة أو فزعةً طار إليها". رواه النسائي، عن أبي سعيد.
قوله:(إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ)، تمامه:
ولم تجدي من أن تُقري بها بُدا
قيل: البُد: العوض. الجوهري: لابد من كذا، أي: لا فراق منه، ولم تلدني: جواب (إذا)، وهو ليس في معنى الاستقبال؛ لأن الولادة كانت قبلُ. والمعنى على البيتين: يقول: إذا انتسبتُ علمت - يا فلانةُ - أني لست بابن لئيمة، وظهر لك ما تضطرين به إلى الإقرار بذلك. قال: لم تلدني لئيمةٌ؛ لأن الأم إذا كانت من الكرام فالأب أولى.