وقلت: والذي يقتضيه النظمُ أن قوله: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً) تتميمٌ لمعنى قوله: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) ومشتملٌ على تسلية قلوب المؤمنين مما عسى أن يختلج فيها من مفاخرة الكفرة شيءٌ، كما أن قوله:(حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً) تتميم لوعيدهم، وكلاهما من تتمة الأمر بالجواب عن قولهم:(أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً) ما قررنا، يدل عليه قول المصنف هاهنا قوله:"كأن لمفاخرهم شركاء فيه"، وتفسيرُ المفاخرة هو ما قال:" (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) أوفر حظاً من الدنيا". وقال:"يدعون أنهم أكرمُ على الله منهم"، وتحقيقه: أن الكفرة لما بنوا الخيرية في قولهم: (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً) على زعم المؤمنين جيء في الجواب بما يردُّ ذلك على طريق المشاكلة، وإطباق الجواب على السؤال، فقيل:(خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً)، ولا يخلو من شائبة الوعيد والتهكم بهم.
قوله: (استعملوا "أرأيت" في معنى: "أخبر")، قال صاحب "الفرائد": ذكر أهل التفسير هذا المعنى، أعني: إقامة "أرأيت" مقام "أخبرني"، ولابد فيه من ملاحة معنوية بينهما، بحيث ينتقل الذهن من المعنى المذكور إلى المراد، ولا شك أن الذهن ينتقل من معنى "أرأيت" إلى معنى "علمت" وينتقلُ أيضاً إلى معنى طلب الرؤية؛ لأن "أرأيت" سؤالٌ عن الرؤية في الماضي من الزمان، فإن لم تكن الرؤية حاصلة في الماضي كان هذا السؤال باعثاً له على تحصيلها في المستقبل منه، كأنه قيل: وإن لم تره فره لتتعجب من اله. هذا في الظاهر أقرب.