تعالى:(إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً)[آل عمران: ١٧٨]. أو: مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَمد لَهُ الرَّحْمنُ، في معنى الدعاء بأن يمهله الله ويُنفس في مدّة حياته. في هذه الآية وجهان. أحدهما: أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها، والآيتان اعتراض بينهما، أى قالوا:(أى الفريقين خير مقاما وأحسن نديا)، (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ)، أى: لا يبرحون
قوله:(أو: من كان في الضلالة فليمدد له الرحمنُ مداً، في معنى الدعاء) وفي بعض النسخ: "فمد له الرحمنُ، في معنى الدعاء"، هو عطفٌ على قوله:"مد له الرحمنُ".
فإن قلت: الآمِرُ والداعي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة قوله: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ)، فعلى التقديرين: دعاءٌ لا أمرٌ قلتُ: كل من الأمر والدعاء يقتضي الإنشاء، وأن لا يكون المطلوبُ حاصلاً، لكن الدعاء: طلبُ ما يتوقع حصوله، والأمرُ: طلبُ الإيجاد على الفور، وهو أقرب إلى التحقيق، وتقديره: قل لهم قولي لك: فليمدد له الرحمنُ. وفيه معنى التجريد؛ لأنه تعالى أمر به نفسه على سبيل الغيبة، وفي تخصيص ذكر الرحمن تتميم وتربية بمعنى الاستدراج والإمهال، كقوله تعالى:(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [القلم: ٤٤ - ٤٥]، فلما أريد في الوجه الأول الإخبار عن الحصول قطعاً قال: أخرج على لفظ الأمر، ولهذا رح بالماضي حيث قال: أي: مد له الرحمن، وفائدته: تصوير تلك الحالة الماضية، وعدم انقطاعها وقتاً فوقتاً، وأتى في الثاني بالمضارع، وهو أن يمهله الله تعالى.
قوله:(ويُنفس في مدة حياته)، الأساس: ومن المجاز: وأنتَ في نفس من أمرك: في سعة. وتنفس النهارُ: طال، وتنفس به العمر، وبلغك الله أنفس الأعمار.
قوله:(في هذه الآية)، أي: قوله: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ).
قوله:(بالآية التي هي رابعتها)، أي: بالآية التي هذه الآية رابعة تلك الآية، وهي قوله:(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ).
قوله:(والآيتان)، أي:(كَمْ أَهْلَكْنَا)، (قُلْ مَنْ كَانَ). وأما بيانُ وجه الاعتراض فهو أن مضمون الآيتين الإنكارُ على الكفرة في أنهم حين تُتلى عليهم آياتُ الله ليهتدوا بها للإيمان يفتخرون بالحظوظ الدنيوية ويرجحونها على السعادة الأخروية، فأكد هذا المعنى بقوله:(وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ) إلى قوله: (فَلْيَمْدُدْ لَهُ).