للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال صاحب "الانتصاف": احتمالُ الالتفات مفرعٌ على إرادة العموم من الأول حتى يتحد المخاطبون، إلا أنهم ذُكروا أولاً بلفظ غيبةٍ، وثانياً بلفظ حضور، وإن أردنا بالأول الخصوص لم يكن التفاتاً بل عدولاً إلى خطاب العامة عن خطاب الخاصة المعينين.

قلت: قوله: "وإن أردنا بالأول الخصوص لم يكن التفاتاً" غير مسلم؛ لأنه التفت فيه عن جماعة غائبين إلى الخطاب لهم. وأما العدول إلى خطاب العامة عن خطاب الخاصة فليس بمختص بمعين، بل هو مطلق؛ لأن (وَإِنَّ مِنْكُمْ) حينئذٍ: ابتداءُ كلام. وأما بيانُ الترتيب فإنه تعالى لما حكى عن جنس الإنسان أنه قال: (أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً) ثُم أنكر عليه بقوله: (أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ) الآية في أنه يعاند ولا يلتفت إلى البرهان القاهر، ولا يذكر خلقته من قبلُ، ووضع المُظهر وهو الإنسان موضع المضمر ليؤذن بحقارته ودناءته وأن إعادة مثله لا يؤبه بها، ولهذا صرح بقوله: (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)، ثم أقسم على تحقيق الإعادة بقوله: (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) وأكده وفصله، بقوله: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) مخاطباً للإنسان بعد الحكاية عنه، اعتناءً بشأن الإعادة وتقريراً لتحقيق ما أقسم عليه، وأن لابد من إبرار القسم ولا غنى عنه، ثم أردفه بقوله: (كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) تتميماً لمعنى القسم. ويُمكن أن يُحمل على هذا تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بتحلة القسم في قوله: "لا يموتُ لمسلمٍ ثلاثةٌ من الولد فيلجُ النار إلا تحلة القسم". أخرجه البخاري ومسلمٌ ومالكٌ والترمذيُّ، عن أبي هريرة.

النهاية: أراد بتحلة القسم (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) كما يقال: ضربته تحليلاً: إذا لم تبالغ في ضربه، وهو مثلٌ في القليل المفرط في القلة، وهو أن يباشر من الفعل الذي يٌقسم عيه المقدار الذي يُبر به قسمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>