للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والموصول، فهو بعيدٌ. وأيضاً، القولُ الذي يصحُّ حذفُه قولٌ مفردٌ غير واقعٍ صلة الموصول، نحو قوله تعالى: (وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ) [الأنعام: ٩٣] إلى غيرها، ولأن المعنى لا يستقيم إلا أن يُقدر الذي يقالُ فيه: أيهم هو أشدُّ، وليس الكلام على ذلك، ولأن الاستفهام لا يقع إلا بعد أفعال العلم أو القول على الحكاية، و"ننزعنَّ" ليس من أفعال العلم.

فإذا قلت: ضربتُ أيهم قام، فالوجه أن يقال: إن "أيهم" موصولةٌ، لا أن يقال: ضربتُ الذي يُقال فيه: أيهم قام، وإنما لم يقع الاستفهام إلا بعد أفعال العلم أو القول؛ لأن القول يحكي بعده كل شيء، وأفعالُ العلم إنما وقع بعدها الاستفهام لأحد أمرين: إما لكون الاستفهام مستعلماً به، فإذا قلت: زيدٌ عندك أم عمرو؟ كأنك قلت: أعلمني أيهما عندك؟ فإذا قلت: علمتُ أزيدٌ عندك أم عمرو؟ كان معناه علمتُ ما يُطلب به إعلامك، فبين الاستفهام والعلم اشتراكٌ في هذا. وإما لكثرتها في الاستعمال، فجُعل لها شيئانِ في الكثرة ليس لغيرها ما جُعل لها خصائصُ في غير ذلك، ولم يكثُر غيرها كثرتها.

وأجيب عن قوله: "يلزمُ منه حذفُ أشياء كثيرةٍ" أن أمثال هذا الحذف من حلية التنزيل الذي هو معدنُ البلاغة على التقدير: (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) المقول في حقه أيهم أشد، وعليه قراءة ابن عباس: (وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ) [الدخان: ٣٠] على الاستفهام صفة للعذاب، أي: المقول في حقه من: فرعون؟ وأنشد الزجاج:

ولقد أبيتُ من الفتاة بمنزلٍ … فأبيتُ لا حرجٌ ولا محرومُ

أي: فأبيت بمنزلها الذي يُقال له: لا هو حرجٌ ولا محرومٌ. وهذا هو الجواب أيضاً عن قوله: وإنما القولُ الذي يصحُّ حذفه قولٌ مفردٌ عن قوله: إنما لم يقع الاستفهام إلا بعد القول.

<<  <  ج: ص:  >  >>