أن ينتظره في مكان، فانتظره سنة. وناهيك أنه وعد في نفسه الصبر على الذبح فوفى، حيث قال:(سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) الصافات: ١٠٢]. كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن وراءهم، ولأنهم أولى من سائر الناس (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[الشعراء: ٢١٤]، (وَامُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ)[طه: ١٣٢]، (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً)[التحريم: ٦]، ألا ترى أنهم أحق بالتصدّق عليهم؟ فالإحسان الديني أولى. وقيل: أَهْلَهُ أمته كلهم من القرابة وغيرهم؛ لأنّ أمم النبيين في عداد أهاليهم. وفيه أنّ من حق الصالح أن لا يألو نصحا للأجانب فضلا عن الأقارب
قوله:(فانتظره سنةً)، عن أبي داود، عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فبقيت له بقيةٌ، ووعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاثٍ فجئت، فإذا هو في مكانه، فقال:((يا فتى، لقد شققت علي، أنا ها هنا منذ ثلاثٍ أنتظرك)).
قوله:(أنهم أحق بالتصدق عليهم)، روينا عن أبي داود والنسائي عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة، قال رجلٌ: يا رسول الله، عندي دينارٌ. قال:((تصدق به على نفسك)). قال: عندي آخر. قال:((تصدق به على ولدك)). قال: عندي آخر. قال:((تصدق به على زوجتك)). قال: عندي آخر، قال:((تصدق به على خادمك)). قال: عندي آخر. قال:((أنت أبصر)).
قوله:(وفيه أن من حق الصالح)، أشار إلى معنى الإدماج في هذا الوجه، وأن في وضع الأهل موضع الأمة إشارةً إلى الحض على النصح وإدخال الأجانب في زمرة الأهل والأقارب، وإذا كان حكم الأباعد بهذه المثابة، فكيف بالأقرباء؟