بأن يُتعجَّب منهما بعد ما كانوا صما عميا في الدنيا. وقيل: معناه التهديد بما سيسمعون ويبصرون مما يسوؤهم ويصدع قلوبهم. أوقع الظاهر -أعنى الظالمين- موقع الضمير، إشعارا بأن لا ظلم أشد من ظلمهم، حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين يجدى عليهم ويسعدهم. والمراد بالضلال المبين: إغفال النظر والاستماع (قُضِيَ الْأَمْرُ): فرغ من الحساب، وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنه -أى: عن قضاء الأمر- فقال:«حين يذبح الكبش والفريقان ينظران» و (إذْ) بدل من (يوم
أن يقال: أحسن وأعقل بزيدٍ، ثم حذف الباء لدلالة الثانية عليها، ثم اتصل الضمير واستتر، كما استتر في الثاني من قوله تعالى: ((أسمع وأبصر))، فإن الثاني يستدل به على الأول، كما يستدل على الثاني بالأول، إلا أن الاستدلال بالأول على الثاني أكثر من العكس.
قوله:(وقيل: معناه: التهديد بما سيسمعون): عطفٌ على قوله: ((وإنما المراد))، وعلى الأول المراد بالتعجب، وهو راجعٌ إلى العباد، لقوله:((جديرٌ لأن يتعجب منهما))، ومتعلق الاستماع والإبصار منسيٌّ ليشمل كل ما يصح أن يسمع وأن يبصر، فهو كقول الشاعر:
شجو حساده وغيظ عداه … أن يرى مبصرٌ ويسمع داعي
فقطع الفعل عن متعلقه الخاص ليصير مطلقاً، ثم كني به عن ذلك المتعلق بقرينة مقام التهديد. وعلى الثاني: هو كنايةٌ عن مجرد التهديد، والمتعلق المنوي هو ما يسوؤهم ويصدع قلوبهم.
قوله:(حين يذبح الكبش) روينا عن البخاري ومسلم والترمذي، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله ليه وسلم: ((يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رأوه، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقول: يا أهل الجنة، خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار، خلودٌ فلا موت)). ثم قرأ:(وأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ) الآية.