وقلت: إنما كان أجود لأن اعتراض اليهود، كان تعييراً للمسلمين على ترجيح أحد الاسمين على الآخر، واعتراض المشركين كان تعييراً على الجمع بين اللفظين فقوله:(أَيّاً مَا تَدْعُوا) مطابق للرد على اليهود؛ لأن المعنى: أي اسم من الاسمين دعوتموه فهو حسن كما ذكره المصنف، وهو لا ينطبق على اعتراض المشركين الجواب: هذا مسلم إذا كان أو للتخيير فلم يمتنع أن يكون للإباحة كما في قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، فحينئذ: يكون ذلك أجوب، وتقريره: كل سموا ذاته المقدسة "بالله" أو بـ"الرحمن" فهما سيان في استصواب التسمية بهما فبأيهما سميته فأنت مصيب، وإن سميته بهما جميعاً فأنت أصوب؛ لأن له الأسماء الحسنى وقد أمرنا بأن ندعوه بها في قوله:(فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) فعلى هذا الآية من فنون الإيجاز الذي هو من حلة التنزيل وعلى ما قال المصنف، والمعنى (أَيّاً مَا تَدْعُوا) فهو حسن فوضع موضعه قوله: (فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) هو من باب الإطناب فظهر من هذا أن الإباحة أنسب من التخيير لأن أبا جهل حر الجمع بين الاسمين فرد إباحة أن يجمع بين أسماء يعني كيف يمنع من الجمع بين الاسمين وقد أبيح الجميع بين الأسماء المتكاثرة على أن الجواب بالتخيير في الرد على أهل الكتاب غير مطابق لأنهم اعترضوا بالترجيح.
وأجيب التسوية لأن (أو) يقتضيها وكان الجواب العتيد أن يقال: إنما رجحنا "الله" على "الرحمن" في الذكر لأنه جامع لجميع صفات الكمال بخلاف "الرحمن"، ويساعد ما ذكرنا من أن الكلام مع المشركين قوله تعالى:(وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) لأنه مناسب أن يكون تسهيلاً للرد على المشركين، ما يقول بعد إفحام الخصم: الحمد لله على ظهور الحق وزهوق الباطل، وأما بيان تنزيل الآية على الرد على المشركين فهو أن نداء ابن عباس:"يا الله يا رحمن" يحتمل وجهين: أحدهما: أن يراد بهما المسمى فيلزم منه التعدد في المسمى، والثاني: أن يراد بهما الاسم فلا يلزم التعداد إلا في الاسم، فحمل أبو جهل على الأول وقال ما قال، فرد الله تعالى زعمه بأن نزله على الاحتمال الثاني قائلاً:(قُلْ ادْعُوا اللَّهَ) الآية، على ما سبق تقريره.