للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى الأوّل: إن لم تؤمنوا به لقد آمن به من هو خير منكم. فإن قلت: ما معنى الخرور للذقن؟ قلت: السقوط على الوجه، وإنما ذكر الذقن وهو مجتمع اللحيين؛ لأنّ الساجد أول ما يلقى به الأرض من وجهه الذقن. فإن قلت: حرف الاستعلاء ظاهر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وعلى الأول: إن لم تؤمنوا لقد آمن)، يعني: على الوجه الثاني: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلزم منه توبيخ القوم وتقريعهم، وعلى الوجه الأول بالعكس، لأن التعليل على الأول مقول القول بخلاف الثاني.

وقلت: الوجه أني قصد التسلية، ويكون التقريع مفرعاً عليها؛ لأن في المعلل إشعاراً بأن الرسول قد قضى ما عليه من الإبلاغ، وأن الحجة قد لزمتهم، فعليه أن يُتاركهم ويشتغل بمن يُجدي فيهم الإنذار وينجعُ فيهم الوعظ، وبخاصة نفسه من عبادة ربه، وإلى الأول الإشارة بقوله: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) وإلى الثاني بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) ومن ثم قال: أُمر بالإعراض عنهم وأن لا يكترث بإيمانهم، فإن خيراً منهم وأفضل قد آمنوا، وإلى الثالث بقوله: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ)، وإنما استدعى المقام المتاركة والتسلية لأن الله تعالى لما عد مناقب حبيبه صلوات الله عليه في مفتتح السورة وختمها ببيان المعجزة، وهي قوله: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ)، فكانت متضمنة لما يتخلص منه إلى طعن القوم في القرآن ورسالته ومعاندتهم في دفع آيات الله البينات، فذكر شيئاً صالحاً منه، فأراد أن يُسلي حبيبه، ذكر حديث الكليم ومجيئه بالآيات البينات إلى قومه وتكذيبهم، ثم إهلاكهم، كان الأمر بقوله: (فَاسْألْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) تتميماً لمعنى التسلية، وذكر بعده هذا النوع من التسلية، وختم السورة بها، والله أعلم.

قوله: (أول ما يلقى به الأرض من وجهه الذقن)، قال صاحب "التقريب": وفيه نظر؛

<<  <  ج: ص:  >  >>