للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النهر من الجري. وقرئ: (سكرت) من السكر، أي حارت كما يحار السكران. والمعنى أنّ هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم في العناد: أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء، ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها، ورأوا من العيان ما رأوا، لقالوا: هو شيء نتخايله لا حقيقة له، ولقالوا قد سحرنا محمد بذلك. وقيل: الضمير للملائكة، أي: لو أريناهم الملائكة يصعدون في السماء عياناً لقالوا ذلك. وذكر الظلول ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون. وقال: (إنما)، ليدل على أنهم يبتون القول بأنّ ذلك ليس إلا تسكيراً للأبصار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الراغب: السُّكر: حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب، وقد يعتري من الغضب والعشق، ولذلك قال الشاعر:

سُكران، سُكر هوى وسكر مدامة

ومنه سكرات الموت. والسكر: حبس الماء، وذلك باعتبار ما يعرضُ من السد بين المرء وعقله، والسكر: الموضع المسدود، وليلة ساكرة، أي: ساكنة، اعتباراً بالسكون العارض من السكر.

قوله: وقال: ((إنَمَا) ليدل على أنهم يبتون القول بأن ذلك ليس إلا تسكيراً للأبصار)، قال الإمام: (إنَمَا): للحصر، والحصرُ هاهنا في الأبصار لا في التسكير، فكأنهم قالوا: ما سُكرت إلا أبصارُنا لا عقولنا، فنحن وإن نتخايل في أبصارنا هذه الأشياء، لكن نعلمُ بعقولنا أن الحال بخلافهن ثم أضربوا عن الحصر في الأبصار، وقالوا: بل جاوز ذلك عقولنا بسحره.

<<  <  ج: ص:  >  >>