للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنه هو الذي بعث به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وبين يديه ومن خلفه رصد، حتى نزل وبلغ محفوظا من الشياطين وهو حافظه في كل وقت من كل زيادة ونقصان وتحريف وتبديل، بخلاف الكتب المتقدمة، فإنه لم يتول حفظها. وإنما استحفظها الربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا فكان التحريف ولم يكل القرآن إلى غير حفظه. فإن قلت: فحين كان قوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) رداً لإنكارهم واستهزائهم، فكيف اتصل به قوله (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ؟ ) قلت: قد جعل ذلك دليلا على أنه منزل من عنده آية، لأنه لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (بعث به جبريل) أي: بعث بالقرآن جبريل، فالباء بمعنى "مع"، ويجوز أن تكون سببية.

قوله: (قد جعل ذلك دليلا)، توجيه الجواب: أن الكفرة حين قالوا: مستهزئين: (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) بمعنى: يا أيها المفتري، إن الله لم يُنزل عليك الذكر، وهذا الذي تزعمه أنه من عند الله ليس منه، بل هو من الجن، وإنك لمجنون، رد عليهم بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، يعني: أن الله تعالى هو المنزل على القطع والبت، فإنه هو الذي بعث جبريل إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهما، وبين يديه ومن خلفه رصد من الملائكة حتى نُزلَ وبُلغ محفوظاً من الشياطين والجن، فما كان من الله ومحفوظاً من الجن، كيف يكون من الجن؟

قوله: (منزل من عند الله آية آية): حال من ضمير "منزل"، أي: دلالة وعلامة على كونه معجزة، يعني: قوله: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) كالدليل ثبات المدعى، فإنه تعالى لما رد بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) قولهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) بمعنى: أن المنزل ليس من قبل الجن كما تزعمون، بل من قبل المليك المعظم شأنه، القاهر

<<  <  ج: ص:  >  >>