مرفوع، وخبره:(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)، كما تقول: صفة فلان أسمر، معناه: صفة الجنة، وكلا القولين حسن جميل، والذي عندي أن الله عز وجل عرفنا أمر الجنة التي لم نرها ولم نشاهدها بما شاهدناه من أمور الدنيا وعايناه، فالمعنى: مثل الجنة التي وعد المتقون: جنة تجري من تحتها الأنهار".
وقال أبو علي: تفسير "المثل" بالصفة غير مستقيم لغة، ولم يوجد فيها البتة، وإنما تفسيره: الشبه، يدلك عليه: مررت برجل مثلك، فوصفوا به النكرة مضافاً إلى المعرفة، كما قالوا: مررت برجل شبهك، ولم يختص بالإضافة لكثرة ما يقع به الاشتباه، كما لم يختص بالمماثلة، ومنه قولهم للقصاص: المثال، إلى غير ذلك.
وأما النظر فيه من جهة التأويل فغير مستقيم أيضاً، ألا ترى أن "مثلاً" إذا كان معناه: صفة، كان تقدير الكلام: صفة الجنة فيها أنهار، وهو غير مستقيم، لأن الأنهار في الجنة نفسها لا في صفتها، ولأنه إذا حمل "المثل" على معنى الصفة، وأجرى في الإخبار عنه مجراه، وأنث الراجع إليه في (فِيهَا) و (تَحْتِهَا)، فقد حمل الاسم في قولهم على المعنى، وهو قبيح، نحو: ثلاث شخوص، وسبع أبطن.
وأما الذي استخرجه أبو إسحاق فغير مستقيم أيضاً، لأن "المثل" أما إن يكون صفة أو شبهاً؛ أما أولاً فلا يستقيم أن يقال: صفة الجنة جنة، لأن الجنة ليست بصفة، وأما ثانياً فلأن الشبه عبارة عن المماثلة التي بين المتماثلين، وهو حدث، والجنة غير حدث. فالصحيح ما قاله سيبويه.