من تنفيرهم كافة في طلب العلم، لوجب تنفير الكل، فيفهم من هذا أن قوله:(فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) ترخيص للبعض من القعود لمصلحة دينية، وعزيمة لآخرين في التنفير لطلب العلم، ثم الرجوع إلى القاعدين لأجل التعليم.
وكان من حق الظاهر أن يُقال:"ليتفقهوا في الدين وليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يفقهون"، فوضع موضع "التعليم": "الإنذار"، وموضع "يفقهون": (يَحْذَرُونَ)؛ ليؤذن بأن الغرض من التعليم والتفقه اكتساب خشية الله والحذر من بأسه وعقابه.
قال حجة الإسلام الغزالي رحمة الله عليه"لقد كان اسم "الفقه" بالعصر الأول مطلقاً على علم الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات العمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب، ويدلك عليه قوله تعالى:(لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ)، وما به الإنذار والتخويف هو الفقه، دون تعريفات الطلاق واللعان والسلم والإجارة.
وسأل فرقد السبخي الحسن عن شيء، فأجابه، فقال: إن الفقهاء يخالفونك. فقال الحسن: ثكلتك أمك فريقد، هل رأيت فقيهاً قط بعينيك؟ ! إنما الفقيه: الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه، الورع الكاف عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لجماعتهم. ولم يقل في جميع ذلك: الحافظ لفروع الفتاوى". تم كلامه.
ومنه أخذ المصنف في الطعن في المتسمين باسم الفقه قائلاً:"لا ما ينتحيه الفقهاء من الأغراض الخسيسة"، إلى آخره.