جعل أعمال الدنيا لعباً ولهواً واشتغالا بما لا يعنى ولا يعقب منفعة، كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة. وقوله:(لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) دليلٌ على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو. وقرأ ابن عباسٍ رضي الله عنه:"ولدار الآخرة"، وقرئ:(تعقلون) بالتاء والياء.
مثل القوم" ليحصل التطابق بين الفاعل والمخصوص بالذم، لأن {مَثَلاً {تمييز، والفاعل مضمر.
قوله:({لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ {دليل على أن ما سوى أعمال المتقين لعب ولهو). وذلك أن الظاهر أن يقال: {ومَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ لَعِبٌ ولَهْوٌ {، وما الدار الآخرة إلا جد وحق، لا باطل زائل. فوضع موضعه: {خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ {إطلاقاً لاسم المسبب على السبب.
يعني: أن حقيقة الدارين معلومة محققة عند من يدعي النهي والحجي، لكن العاقل الذي يستأهل أن يسمى عاقلاً هو من يؤثر ما يعينه وينجيه على ما لا يعينه ويرديه.
وتلخيصه: أن العاقل هو المتقي الذي يرغب عن الدنيا إلى الآخرة.
وفيه تعريض بمن سبق ذكرهم في قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا {[الأنعام: ٣١]، أي: اشتغلنا بلذات الدنيا عن الآخرة، وكذبنا بمجيء الساعة. وهو إقناط كلي.
ولهذا كانت هذه الآية تتمة للاعتراض، ثم عاد إلى ما سبق من ذكر المشركين، مسليا لحبيبه صلوات الله عليه: {قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ {[الأنعام: ٣٣].