الواحدة نزلت كذلك , ومع ما في هاته الآيات من حروف العطف المانعة من دعوى كون بعضها قد نزل مستقلاً عن سابقه , وليس هنا ما يلجئ إلى دعوى النسخ، ومن المفسرين من اقتصر على تفسير المفردات اللغوية والتراكيب البلاغية , وأعرض عن بيان المعاني الحاصلة من مجموع هاته الآيات.
وقد أذن الله للمسلمين بالقتال والقتل للمقاتل عند المسجد الحرام , ولم يعبأ بما جعله لهذا المسجد من الحرمة؛ لأن حرمته حرمة نسبته إلى الله تعالى, فلما كان قتال الكفار عنده قتالاً لمنع الناس منه ومناوأة لدينه فقد صاروا غير محترمين له , ولذلك أمرنا بقتالهم هنالك تأييداً لحرمة المسجد الحرام (١).
ومما يعضد هذا الترجيح قاعدة (الأصل عدم النسخ مالم يقم دليل صحيح صريح على خلاف ذلك) , وهذه القاعدة رجّح بها الطبري في تفسيره فقال: " وأولى هذين القولين بالصواب القولُ الذي قاله عمر بن عبد العزيز؛ لأن دعوى المدَّعي نَسْخَ آية يحتمل أن تكون غيرَ منسوخة، بغير دلالة على صحة دعواه، تحكُّم، فتأويل الآية - إذا كان الأمر على ما وصفنا -: وقاتلوا أيها المؤمنون في سبيل الله , وسبيلُه: طريقه الذي أوضحه، ودينه الذي شرعه لعباده , يقول لهم تعالى ذكره: قاتلوا في طاعتي وَعلى ما شرعت لكم من ديني، وادعوا إليه من وَلَّى عنه واستكبر بالأيدي والألسن، حتى يُنيبوا إلى طاعتي، أو يعطوكم الجزية صَغارًا إن كانوا أهل كتاب, وأمرهم تعالى ذكره بقتال مَنْ كان منه قتال من مُقاتِلة أهل الكفر دون من لم يكن منه قتال من