ولكون الأمر في حق داود لا يقل غرابة عما كان في حق زكريا فقد استوجب هو الآخر تسبيحاً وتنزيهاً لصاحب القوى والقدر جلّ جلاله، وعن غرابة ما في أمره يقول سبحانه:(إنا سخرنا الجبال معه) أي جعلناها مصاحبة له منقادة ذلولاً كالجمل الأنف (يسبحن بالعشي والإشراق) .
وقد تباينت كلمة أهل العلم في شأن التسبيح في حق هذين النبيَينِ المباركين -عليهما وعلى نبينا أفضل السلام وأزكى التسليم - فارتأى بعضهم أن المراد بالتسبيح في حقهما هو التسبيح اللساني بقول (سبحان الله) ، فحملوا بذلك، الأمر على ظاهره.. والوجه فيه بمقتضى قولهم، أن العادة جارية أن كلّ من رأى أمراً عجب منه أو رأى فيه بديع صنعة أو غريب حكمة يقول (سبحان الله.. سبحان القادر المقتدر) ، وهكذا كان الأمر في حقهما فزكريا- عليه السلام - لما رأى حصول الولد من شيخ وعاقر، عجب من ذلك فسبح وأمر قومه بالتسبيح، وبمثل ذلك فعل داود عندما عاين الجبال تؤوب معه وتشاركه - بطريق الاقتداء به - عبادة الله تعالى وتقديسه.