للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد أعرب بعض المفسرين عن مدى تعجبهم لطلب زكريا، ودعاهم ذلك لأن يقولوا إنما أخفى دعاءه - يعني المفاد من قوله تعالى: (إذ نادى ربه نداء خفياً.. مريم/٣) - لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكِبَره، كذا حكاه الماوردي، وكان الوازع لدى زكريا عليه السلام خوفه أن تتصرف عصبته من بعده في الناس تصرفاً سيئاً، فسأل الله ولداً يرثه في النبوة ويرث من آل يعقوب ويكون مرضياً عند ربه، واستجاب الله دعاءه وكان من عجيب ما انتابه من إجابة الله له، أن طلب من ربه أن يجعل له علامة يستدل بها على وجود الولد منه كيما تستقر نفسه ويطمئن قلبه، ولِتلك أجابه سبحانه أيضاً و (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار.. آل عمران/ ٤١) ، أي جعلت آيتك التي طلبت، أن تحبس لسانك عن الكلام ثلاثة أيام بلياليهن وأنت صحيح سويّ قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة ووهب والسدي وقتادة وغير واحد، اعتُقل لسانه من غير مرض ولا علة، وقال ابن زيد بن أسلم كان يقرأ ويسبِّح ولا يستطيع أن يكلم قومه إلا إشارة، ولهذا قال في آية مريم (فخرج على قومه من المحراب) يعني الذي بُشر فيه بالولد (فأوحى إليهم) بإشارة خفيفة سريعة (أن سبحوا بكرة وعشياً) موافقة له فيما أُمر به في هذه الأيام الثلاثة زيادة على أعماله وشكراً لله على ما أولاه، كذا قال مجاهد ووهب وقتادة (١) ، ويحتمل أنهم كانوا يصلُّون معه في محرابه هاتين الصلاتين فكان يخرج إليهم فيأذن لهم – يعني بكلام - فلما اعتُقل لسانه خرج إليهم كعادته فأذن لهم بغير كلام" (٢) .


(١) ينظر تفسير ابن كثير ٣/١١٤وما بعده والرازي ١٠/٤١٣.
(٢) الرازي ١٠/٤١٣ بتصرف.

<<  <   >  >>