والسبب الموجب للإِيمان إيجابًا حتمًا كليًّا هو كونه من عند الله، وهذا السبب هو الذي علم الراسخون في العلم أنه الموجب للإِيمان بكل ما جاء عن الله، سواء استأثر الله بعلمه كالمتشابه، أو كان مما يعلمه الراسخون في العلم، كما قال الله عنهم:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}.
فلا شك أن قوله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} من عند ربنا، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤)} من عند ربنا أيضًا، فيجب علينا الإِيمان بالجميع؛ لأنه كله من عند ربنا.
أما الذي يفرق بينه، وهو عالم بأن كله من عند ربه، بأن هذا يشتق منه وهذا لا يشتق منه، فقد آمن ببعض الكتاب دون بعض.
والمقصود أن كلما جاء من عند الله يجب الإِيمان به، سواء كان من المتشابه أو من غير المتشابه، وسواء كان يشتق منه أو لا.
ومعلوم أن مالكًا رحمه الله سئل كيف استوى، فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإِيمان به واجب.
وما يزعمه بعضهم من أن القدرة والإِرادة مثلًا ونحوهما ليست كاليد والوجه، بدعوى أن القدرة والإِرادة مثلًا ظهرت آثارهما في العالم العلوي والسفلي بخلاف غيرهما كصفة اليد ونحوها، فهو من أعظم الباطل.
ومما يوضح ذلك أن الذي يقوله، هو وأبوه وجده من آثار صفة اليد التي خلق الله بها نبيه آدم.
ونحن نرجو أن يغفر الله تعالى للذين ماتوا على هذا الاعتقاد؛ لأنهم لا يقصدون تشبيه الله بخلقه، وإنما يحاولون تنزيهه عن مشابهة