يتحقق إلا بتجَنُّب الجميع؛ لأن ما لا يتم ترك الحرام إلا بتركه فتركه واجب. فهذا يحيك في النفس ولا تنشرح له، لاحتمال الوقوع في الحرام فيه كما ترى. وكل ذلك مستند لنصوص الشرح لا للإلهام.
ومما يدل على ما ذكرنا من كلام أهل الصوفية المشهود لهم بالخير والدين والصلاح: قول الشيخ أبي القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد الخزاز القواريري رحمه الله: مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، نقله عنه غير واحد ممن ترجمه رحمه الله، كابن كثير وابن خلكان وغيرهما. ولا شك أن كلامه المذكور هو الحق، فلا أمر ولا نهي إلا على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام. وبهذا كله تعلم: أن قتل الخضر للغلام، وخرقه للسفينة، وقوله:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} دليل ظاهر على نبوته. وعزا الفخر الرازي في تفسيره القول بنبوته للأكثرين، ومما يستأنس به للقول بنبوته تواضع موسى عليه الصلاة والسلام له في قوله: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦)}، وقوله: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩)} مع قول الخضر له: {وَكَيفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨)}.
مسألة
اعلم أن العلماء اختلفوا في الخضر: هل هو حي إلى الآن، أو هو غير حي، بل ممن مات فيما مضى من الزمان؟ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه حي، وأنه شرب من عين تسمى عين الحياة. وممن نصر القول بحياته القرطبي في تفسيره، والنووي في شرح مسلم وغيره، وابن الصلاح، والنقاش وغيرهم. قال ابن عطية: وأطنب النقاش في هذا المعنى، يعني حياة الخضر وبقاءه إلى يوم