للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد تأسيس المنظمة الصهيونية، انتقل النشاط الصهيوني من مرحلة البداية الجنينية ذات الطابع المحلي إلى مرحلة العمل المنظم على الصعيد الغربي. ولكن هرتزل كان قد بدأ نشاطه قبل ذلك إذ كان قد قام بعدة اتصالات مع بعض الشخصيات الاستعمارية، وساعده على ذلك الصهيوني غير اليهودي هشلر.

ولكن، حتى بعد تأسيس المنظمة، كان هرتزل يدرك أن منظمته لا تمثل أحداً، أو أنها تمثل أقلية من اليهود لا يُعتدُّ بها، وأن العنصر الحاسم ليس المنظمة وإنما هو الدولة الراعية. ولذا، فقد تَجاهَل منظمته وبدأ بحثه الدائب عن قوة غربية ترعى المشروع. فقد كان يعلم تمام العلم أنه لو حصل على مثل هذه الموافقة فسترضخ له المنظمة وتتبعه، وخصوصاً أنها لم تكن تملك بديلاً، كما أن الصهاينة التسلليين كانوا يعلمون أن المشروع الصهيوني كان قد وصل بقيادتهم إلى طريق مسدود.

ومن هنا، فإن التفسير التقليدي لسلوك هرتزل بأنه زعيم دكتاتوري وشخصية أوتوقراطية أرستقراطية هو تفسير يحاول تطبيع النسق الصهيوني، أي النظر إليه على أنه نسق طبيعي يتم تفسيره باستخدام القواعد نفسها التي تُستخدَم في تفسير الأنساق المماثلة. وفي هذا خلل منهجي أساسي، فالصهيونية ظاهرة لها قوانينها الخاصة، وأحد قوانينها الأساسية أنها حركة سياسية بلا جماهير. وهذا ما اكتشفه هرتزل منذ البداية، ولذا فلا يمكن اتهامه بالدكتاتورية، فقد كان عملياً أكثر من العمليين، مدركاً لما فشل الصهاينة الديموقراطيون في إدراكه، كما كان يعرف كيف يتصل بممثلي الحضارة الغربية ويعرف كيف يتحدث لغتهم وكيف يعرض عليهم العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية.

<<  <  ج: ص:  >  >>