للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهرتزل ـ كما يقول شلومو أفنيري ـ كان ليبرالياً ولكنه في حديثه عن الدولة تخلى عن كثير من مُثُله الليبرالية وتبنَّى مُثُلاً اشتراكية عمالية. ولعل ذلك يعود إلى إدراكه العميق لخصوصية المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى تحويل اليهود من طبقة إلى أمة. فمثل هذا التحويل لا يمكن أن يتم من خلال الاقتصاد الحر، ولذا نجده يشير إلى أن ملكية الأراضي في الدولة اليهودية ستكون ملكية عامة، وسيؤجر الفلاحون أرضهم من الصندوق القومي. بل إن عَلَم الدولة اليهودية الذي اقترحه هرتزل علم عمالي صهيوني لونه أبيض "رمزاً لحياتنا الصافية الجديدة، ويتوسطه سبعة نجوم ذهبية رمزاً لساعات العمل السبع. فنحن سندخل أرض الميعاد نحمل شارة العمل".

ويبدو أن هرتزل كان واعياً بأنه بتبنِّيه "المُثُل الاشتراكية" إنما يتبنَّى لغة كان يفهمها شباب اليهود في شرق أوربا، وأنه بذلك كان يكسبهم لصفه، وأنه وضع بذلك إطار التعامل بين المنظمة الصهيونية التي كانت تُوجَد في الغرب الليبرالي من جهة والمستوطنين الذين عليهم أن يتعاملوا مع الظروف الطبيعية القاسية ومع المواطنين الأصليين من جهة أخرى، وهو إطار يفترض أن لكل فريق توجُّهه العقائدي الذي يخدم مصالحه، وأن كل فريق يجب ألا يتدخل في شئون الآخر.

وبهذا، يكون هرتزل قد حدد رقعة كل من التوطينيين والاستيطانيين، وقسَّم العمل بينهم وهدَّأ من روعهم. ولهذا، يحق له أن يقول إنه قدَّم شيئاً يكاد يكون مستحيلاً: "الاتحاد الوطيد بين العناصر اليهودية الحديثة المتطرفة [المندمجون في الغرب والثوريون في الشرق] وبين العناصر اليهودية المحافظة [الإثنيون الدينيون والعلمانيون في الشرق] . وقد حدث ذلك بموافقة الطرفين دونما أي تنازل من الجانبين ودون أية تضحية فكرية"، فالخطاب المراوغ يسمح بامتصاص كل شيء.

هرتزل والحركة الصهيونية

Herzl and the Zionist Movement

<<  <  ج: ص:  >  >>