لعل أهمية هرتزل في تاريخ الصهيونية هي أنه حوَّل الصهيونية من مجرد فكرة إلى حركة ومنظمة، وبلور العقد الصامت بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية باعتبارها ممثلة ليهود أوربا وبين الحضارة الغربية، ومن ثم فقد خَلَق الإطار اللازم لعملية التوقيع التي تمت في وعد بلفور. ولكن العقد الصامت لم يُولَد مكتملاً بل استغرق ميلاده مدة طويلة، فقد تعثَّر هرتزل نفسه طويلاً قبل أن يصل إلى هذه الصيغة. وبرغم عصرية حلِّه وحداثته إلا أن بصيرته خانته، إذ بدأ نشاطه السياسي بطريقة تقليدية فتوجَّه للقيادات اليهودية التقليدية (الحاخامات والأثرياء) أصحاب النفوذ التقليدي (الذين نظروا إليه بنوع من الفتور أو الاشمئزاز) . ففي يونيه ١٨٩٥، قام هرتزل بمقابلة هيرش (المليونير والمصرفي الألماني اليهودي) ليقرأ عليه خطاباً يحدد فيه حله للمسألة اليهودية، ولكن هيرش لم يسمح له بالاستمرار في الحديث، فأرسل إليه هرتزل خطاباً في اليوم التالي فقوبل بالفتور نفسه. وبدأ هرتزل في كتابة مذكراته وفي كتابة خطاب لعائلة روتشيلد (في فرنسا) أو إلى مجلس العائلة وأنهى الخطاب في يونيه ١٨٩٥، ثم طلب من حاخام فيينا موريتز جودمان أن يكون همزة الوصل بينه وبين ألبرت روتشيلد زعيم العائلة في فيينا. وقد كان منطقه أن ثروة روتشيلد محكوم عليها بالهلاك والمصادرة في عالم الأغيار، ولذا فإن عليه أن يتبنَّى المشروع الصهيوني.