قد يُقال إن هذا الحل الاستعماري ليس تحديثاً بقدر ما هو استمرار لوضع اليهود القديم في أوربا منذ العصور الوسطى كجسد غريب من المرابين والتجار، في أوربا وليس منها ويعيشون في مسام المجتمع (على حد قول ماركس) . ولكن أن يعيش الإنسان على هامش المجتمع خير له من أن يعيش في مسامه، لأن الحالة الثانية خطرة جداً. كما أن الغرب الحديث على ما يبدو قد ضاقت مسامه كثيراً، ولذا فقد قام بتصفية معظم الجيوب الإثنية. كما أن عملية التحديث تأخذ أحياناً في الظاهر شكل العودة إلى الوراء، إلى القديم وإلى الأصول، ولكنها في الواقع عملية تغيير شاملة. وهذا أيضاً ما فعله هرتزل، فقد احتفظ بالأشكال القديمة (عقيدة الخروج وأسطورة الشعب والعودة) ولكنه أعطاها مضموناً جديداً أو حديثاً، وهذا مؤشر آخر على براعته.