والمفارقة الكبرى تكمن في أن حالة السيولة الحلولية الكونية ينتُج عنها حالة تفتُّت ذري وازدواجية صلبة. وتظهر الازدواجية الصلبة في تأكيد حركة التمركز حول الأنثى أن ما تحس به الأنثى لا يمكن أن يحس به الذكر، ومن ثم فالتجربة التاريخية للأنثى مغايرة تماماً للتجربة التاريخية للذكر. أما التفتت الذري فيظهر في مطالبة مساواة الذكر بالأنثى بشكل مطلق. وحينما نصل إلى هذه المرحلة، فإننا لا نتحدث عن برنامج للإصلاح وإنما عن برنامج تفكيكي تختفي فيه كل المقولات الثنائية التقليدية، مثل: إنسان/طبيعة، إنسان/حيوان، ذكر/أنثى، ويختفي المركز تماماً، ويصبح التمييز مستحيلاً. ولذا، تلتحم حركة التمركز حول الأنثى بحركات حلولية مماثلة كالدفاع عن السحاق، وعبادة الأرض، فهي جميعاً حركات تفترض أن ما هو مطلق لا يتجاوز المادة وإنما يكمن ويحل فيها، فهو الأرض بالنسبة لعبدة الطبيعة، وهو الأنثى بالنسبة لحركات التمركز حول الأنثى، وهو الطبقة العاملة بالنسبة للفكر الشيوعي، والمنفعة واللذة الفردية بالنسبة لليبرالية. وهذا المطلق الحال هو الذي يحرك التاريخ ويساوي بين كل الكائنات ويسويها الواحدة بالأخرى.
ويبدو أن المرأة اليهودية كانت مرشحة أكثر من غيرها لأن تنخرط في صفوف حركات تحرير المرأة ثم حركات التمركز حول الأنثى في الغرب لأسباب عديدة، من بينها:
١ ـ ارتفاع معدلات العلمنة بين الإناث اليهوديات في الغرب بنسبة تفوق مثيلتها لا بين أعضاء المجتمع وحسب وإنما بين الذكور اليهود أنفسهم (ولعل هذا يعود إلى أن الأنثى اليهودية كانت لا تتلقى تعليماً دينياً، كما أنها كانت غير ملزمة بأداء كثير من الشعائر الدينية اليهودية) .