للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تَصوُّرنا أن الرؤية الكامنة وراء حركة التمركز حول الأنثى رؤية حلولية تستند إلى رؤية واحدية كونية إذ تحاول اختزال الكون بأسره إلى مستوى واحد، فتدمج الإله والطبيعة والإنسان والتاريخ في كيان واحد وتحاول أن تصل إلى عالم جديد تماماً تتساوى فيه الأطراف والمركز، عالم لا يوجد فيه قمة وقاع ولا يمين ويسار (ولا ذكر وأنثى) ، وإنما يأخذ شكلاً مسطحاً تقف فيه جميع الكائنات الإنسانية والطبيعية على أرضية واحدة وتَمَّحي فيها كل الثنائيات. بل إن تحقُّق هذا النمط يتم عند نقطة الصفر حين تصبح كل الكائنات شيئاً واحداً. وبينما تعترف حركة تحرير المرأة بالاختلافات بين الرجل والمرأة، وتحاول ألا يكون هناك تفاوت اقتصادي أو إنساني نتيجة هذا الاختلاف، فإن حركة التمركز حول الأنثى لا ترفض التفاوت وحسب وإنما ترفض الاختلاف نفسه. وبينما تعترف حركة تحرير المرأة بأن هذا الاختلاف يؤدي إلى اختلاف في توزيع الأدوار وتأمل ألا ينجم عن هذا الاختلاف ظلم أو تفاوت اجتماعي، فإن حركة التمركز حول الأنثى ترفض توزيع الأدوار وتطالب بأن يصبح الذكور آباء وأمهات، وأن تصبح الإناث بدورهن آباء وأمهات. بل إن الأمر يمتد ليشمل الأحاسيس نفسها. فالمرأة يجب أن تشعر مثل الرجل، والرجل يجب أن يشعر مثل المرأة. ويمتد الأمر لرؤية الإنسان للإله. فحركة التمركز حول الأنثى ترى أن كل التاريخ يدور حول مركز، وهذا المركز هو الرجل؛ عضو التذكير، السلطة، الإله الذكر. ويجب أن يحل محل هذا شيء محايد بحيث ينظر للإله باعتباره ذكراً وأنثى، أو ذكراً ثم أنثى، أو ذكراً في أنثى، أو لا ذكر ولا أنثى (وهذه هي مرحلة ما بعد الحداثة حين تسقط كل الحدود ويضمُر المركز ثم يختفي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>