٣ ـ كما أن تركيب اليهودية الجيولوجي جعل من اليسير على أي مفكر ديني، مهما كانت درجة تطرفه، أن يجد سنداً وسوابق لآرائه. وقد فتحت فكرة الشريعة الشفوية باب التفسير والتأويل على مصراعيه بحيث أصبح في مقدور كل يهودي أن يفرض رؤيته.
٤ ـ ومما لاشك فيه أن اضطلاع أعضاء الجماعات بدور الجماعات الوظيفية عَمَّق الاتجاهات الصوفية. فالجماعات الوظيفية تعيش خارج العملية الإنتاجية في المجتمع. ولكنها، لأنها ليست منه، نمت لديها عقلية مجردة لا علاقة لها بما هو متعيِّن. كما أن اضطلاع اليهود بدور التاجر ساعد في تعميق هذه الاتجاهات، والتجارة الدولية تُحطم فكرة الحدود وتُشجِّع النزعات الصوفية (والواقع أن العلاقة بين التجارة والصوفية أمر يحتاج إلى مزيد من الدراسة) . وتستند رؤية الجماعة الوظيفية إلى العالم إلى مركب حلولي، فتجعل من ذاتها مركز القداسة ومصدر المطلقية (مقابل مجتمع الأغلبية المباحة النسبية) . وقد لعبت عقيدة الماشيَّح (الذي سيأتي في نهاية الأيام ليحرر اليهود ويعود بهم إلى صهيون) دوراً في تعميق هذا الاتجاه، فهي عقيدة تفصل اليهودي عن الزمان والمكان وتجعله ينتظر آخر الأيام بحيث يركز عيونه على البدايات والنهايات متجاهلاً التاريخ وتركيبيته. ولذا، يمكن القول بأن ثمة علاقة ما بين تحول الجماعات اليهودية التدريجي إلى جماعات وظيفية وذيوع القبَّالاه التدريجي بينها.