للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ ـ كانت اليهودية، في الجزء الأول من تاريخها، ديانة تؤمن، رغم الطبقة الحلولية التي تراكمت داخلها، بشكل من أشكال التوحيد، في وسط وثني مشرك: آشوري أو مصري قديم أو يوناني أو روماني. وقد حاولت اليهودية آنذاك أن تُوسِّع الهوة بينها وبين أصحاب الديانات الوثنية الأولى بقدر المستطاع. ولذا، فإننا نجدها ترفض تماماً الفكر الأسطوري وقصص الخلق المستفيضة الموجودة في ديانات الشرق الأدنى القديم، وذلك رغم تأثرها بهذه الديانات في كثير من الوجوه، ورغم أن النسق الديني اليهودي (كتركيب جيولوجي) قد احتفظ بكثير من التراكمات الوثنية. ولكن، ومع ظهور الديانتين التوحيديتين الأخريين (الإسلام والمسيحية) ، وسيطرتهما على المحيط الحضاري الذي كانت تتحرك فيه اليهودية، وجدت اليهودية نفسها دون وظيفة خاصة أو هوية مستقلة. ورغم هذا، وربما بسببه، استمر الحاخامات في توسيع الهوة بين اليهود وأصحاب الديانات التوحيدية الأخرى، فتبنوا الأسطورة كوسيلة لاكتشاف الواقع وبدأوا من خلال التلمود، ثم من خلال التراث القبَّالي، في نسج الأساطير. وتُعتبَر القبَّالاه، من هذا المنظور، استجابة اليهود لتغلغل الفكر العقلي والتوحيدي، وتعبيرهم عن محاولات الحفاظ على التماسك وعدم التفكك في وجه التحدي الذي أفقدها تميزها ووظيفتها. وقد أنجزت القبَّالاه ذلك عن طريق التخلي (إلى حدٍّ كبير) عن كثير من العقائد اليهودية الحاخامية، ومن خلال تأكيد بعض الأفكار التي كانت تشغل مكانة هامشية في النسق الديني اليهودي، وعن طريق الأساطير التي نسجها القبَّاليون من خلال منهج تفسيري تأويلي فريد.

٢ ـ لم تكن هناك مؤسسات دينية يهودية شاملة تضم كل يهود العالم، كما لم يكن هناك جهاز تنفيذي يضمن شيوع أفكار هذه المؤسسات ويقضي على النزعات الحلولية الوثنية الشعبية ويكبح جماح الهرطقة. وهذا ما سمح للقبَّالاه، بكل ما تشتمل عليه من هرطقات غنوصية، أن تنمو بهذا الشكل المتضخم.

<<  <  ج: ص:  >  >>